عاجل:
مقالات 2008-07-02 03:00 658 0

المرجعية الدينية، إعادة مفاهيم

بالرغم من كثرة الأحاديث المتعلقة بمفهوم المرجعية الدينية على وجه الخصوص في الآونة الأخيرة فإنه من الملاحظ على "كتابات"

بالرغم من كثرة الأحاديث المتعلقة بمفهوم المرجعية الدينية على وجه الخصوص في الآونة الأخيرة فإنه من الملاحظ على "كتابات" افتقادها إلى تحديد واضح لمفهوم المرجعية بحد ذاته، حتى  ولج في الامر من ليس فيه حظ وامتلئت" بكتابات؟" هابطة تنال من المرجعية.
هل المرجعية كمفهوم يختلف ويتطور من جماعة لأخرى أم لا؟ وما حدود الاتصال والانفصال ما بين المرجعيتين؛ الدينية والسياسية؟!  هذه الاشكالات لم يتم التعرض لها واصبح المنطوق لاينطبق على المفهوم واختلطت الامور  كثيرا واصبح  الكندي والاسترالي وكل من ترك وطنه وحصل على الجنسية الاوربية او الامريكية يدلو بدلوه في مفهوم المرجعية
فهي عند الازرقي عصابة وعند وكيل المخابرات خضير طاهر  برميل نفط وعند الكرعاوي .....
في الواقع يعكس إصرار البعض  على الاساءة للمرجعية توجهات خطيرة جدا فاغلبهم يكتب تحت تاثير المخدر الذي يتعاطاه والدولار الذي يتقاضاه كما تكمن خطورتها من ناحية ثانية في إمكانية وسهولة توظيف  هذه الكتابات سياسيًّا وأيديولوجيًّا دون فهمها، فضلاً عن عدم القدرة على تحمل تبعاتها.

تطور مفهوم المرجعية تاريخيّاً:
تعكس التساؤلات السابقة حجم الغموض والجهل الذي يحيط بمفهوم المرجعية الدينية، ومن ثَم تبدو الحاجة ماسة عن أي وقت مضى لتحديده وهو ما لا يتم إلا من خلال رصد مراحل تطوره تاريخيًّا، خاصة وانه يبدو ان الكتاب للذين يخوضون في هذا الامر لايملكون اية مراجع معرفية ؟ الأمر الذي يساهم في تفكيك المفهوم وإعادة موضعته من جديد.
ويمكن القول إن مفهوم المرجعية -بغض النظر عما إذا كانت دينية أو سياسية أو معرفية... إلخ- يحيل في دلالته اللغوية إلى أكثر من معنى، فتارة يدل على المردود أو الجواب فيما يقول ابن منظور: "المَرْجُوعُ: جواب الرسالة؛ ومنه قول الشاعر: سأَلْتُها عن ذاك فاسْتَعْجَمَتْ، لم تَدْرِ ما مَرْجُوعةُ السَّائلِ. ويقال: ما كان من مَرْجُوعِ أَمر فلان عليك أَي من مَردُوده وجَوابه. ورجَع إِلى فلان من مَرْجوعِه كذا: يعني رَدّه الجواب". وهو ما يتوافق ومضمون الفتوى الدينية. وتارة يحيل إلى النفع والنجاعة: "يقال: هذا أَرْجَعُ في يَدِي من هذا أَي أَنْفَع، ورَجَع في الدابّة العَلَفُ ونَجَع إِذا تَبيّن أَثَرُه". وهذا المعنى أيضًا يحيل إلى إيجابية المرجعية وأثرها (سلطتها) لدى من يستند إليها ويعتقد بها.
ومن الناحية التاريخية، ارتبط مفهوم المرجعية بالرجوع للعلماء وسؤالهم عن الأحكام الشرعية العملية مما جرت عليه سيرة الشيعة وجميع المسلمين من الصدر الأول، وعرف في كل عصر جماعة ممن يتصدى للفتوى، وقد تضمنت النصوص تصدي الشيعة لذلك مثل أبان بن تغلب، الذي قال الشيخ الطوسي في حقه بعد أن مدحه وعظمه: (وقال له أبو جعفر الباقر (عليه السلام): اجلس في مسجد المدينة، وأفت الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك، فجلس) ومثل معاذ بن مسلم النحوي فقد روى في حديثه عن الإمام الصادق (عليه السلام): (قال: بلغني أنك تقعد في الجامع فتفتي الناس؟ قلت: نعم، وأردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج. إني أقعد في المسجد فيجيء الرجل فيسألني عن الشيء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يقولون، ويجيء الرجل أعرفه بحبكم أو بمودتكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجيء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو، فأقول: جاء عن فلان كذا وجاء عن فلان كذا، فأدخل قولكم فيما بين ذلك. قال: فقال لي: اصنع كذا، فإني أصنع كذا).
لكن الفقه الشيعي لم يكن متميزاً بنفسه وبفقهائه في الصدر الأول بسبب الفتن والمآسي التي مرت على الشيعة، وربما كان الشيعة يستفتون العامة غفلة عن مخالفتهم لأهل البيت (عليهم السلام). وقد اهتم الإمام الباقر (عليه السلام) بهذه الجهة وبدأ بتثقيف الشيعة بفقههم. وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لما حضرت أبي الوفاة قال: يا جعفر أوصيك بأصحابي خيراً. قلت: جعلت فداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر، فلا يسأل أحداً) وقام (صلوات الله عليه) بما وعد، وبدأ الشيعة يقصدون علماءهم ويرجعون إليهم، وتصدى جماعة منهم للفتيا، كما أرشد الأئمة (عليه السلام) إلى جماعة منهم، ففي صحيح شعيب العقرقوفي: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ربما احتجنا أن نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال: عليك بالأسدي. يعني أبا بصير) وفي صحيح عبد الله بن أبي يعفور: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه ليس كل ساعة ألقاك، ولا يمكن القدوم، ويجيء الرجل من أصحابنا فيسألني وليس عندي كل ما يسألني عنه فقال: ما يمنعك عن محمد بن مسلم الثقفي، فإنه سمع من أبي وكان عنده وجيهاً)، كما ورد الإرجاع إلى جماعة آخرين، مثل الحارث بن المغيرة والمفضل بن عمر وزكريا بن آدم ويونس بن عبد الرحمن والعمري وابنه، في أحاديث كثيرة لا يسعنا استقصاؤها، وتكامل للشيعة فقههم واستغنوا عن غيرهم ففي معتبر محمد بن حكيم: (قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): جعلت فداك فقّهنا في الدين وأغنانا الله بكم من الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه [إلا] يحضره المسألة ويحضره جوابها فيما منّ علينا بكم…)، وفي كتاب الإمام الهادي (عليه السلام) لأحمد بن حاتم وأخيه: (فاصمدا في دينكما على كل مُسِنّ في حبنا وكل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء الله تعالى).وبدأ فقهاء الشيعة يؤلفون الكتب في الأحكام الشرعية لعمل الناس التي هي أشبه بالرسائل العملية، يحضرنا منها كتاب يوم وليلة ليونس بن عبد الرحمن من أصحاب الرضا (عليه السلام)، الذي ورد عنهم (عليهم السلام) في نصوص كثيرة الثناء عليه وإقرار العمل به، وكذا كتاب يوم وليلة المعروف بكتاب التأديب لتلميذه أحمد بن عبد الله بن مهران المعروف بابن خانبة، ورسالة علي بن بابويه القمي والد الصدوق المتوفى في عصر الغيبة الصغرى. وما كتاب من لا يحضره الفقيه المؤلف في أوائل الغيبة الكبرى إلا رسالة عملية يرجع إليها من لا يتيسر له سؤال الفقيه، وهي تتضمن فتاوى الصدوق، ثم تتابعت الرسائل للعلماء طبقة بعد طبقة كالمقنعة للشيخ المفيد وجمل العلم والعمل للسيد المرتضى والنهاية في مجرد الفقه والفتوى للشيخ الطوسي قدس الله أسرارهم الزكية وغير ذلك مما لا يحصى كثرة.وبحسب هذا التاريخ يتبين أن المرجعية الدينية تعود الى العصور الاولى من تاريخ الاسلام وهي أحد الأبعاد المختلفة للنشاط السياسي،.
تتنوع مسئوليات المرجعية الدينية في الفكر الشيعي ما بين الإفتاء، والولاية، والقضاء. وتعني المرجعية في الفتيا رجوع الأفراد الذين لا يمكنهم معرفة الحكم الشرعي بصورة مباشرة إلى أهل العلم والخبرة (المجتهدين العدول) بأن يقلّدوهم في معرفة الحكم الشرعي.
فالمرجعية، كما هو واضح من لفظها، تعني الرجل أو المؤسسة التي يرجع لها الناس لمعرفة صحة أو خطأ معين في الأمور الخاصة بحقل ما من حقول المعرفة. ويأتي على رأسها المرجعية الدينية التي يعتمدها الشيعة لمعرفة أحكام الدين في الشئون العامة، والطقوس المختلفة. وهي تكاد أن تكون محصورة بشخص واحد، لا مؤسسة، فمن بين مجموعة المجتهدين في مرحلة زمنية خاصة تتمثل المرجعية في أعلم هؤلاء المجتهدين.

التعليق