عاجل:
مقالات 2022-01-21 03:00 379 0

معنى النزول في القرآن الكريم (١)

أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم على رسوله الكريم (صلى الله عليه واله) لهداية البشرية جمعاء الى الفلاح والسعادة وإخراجهم من الظلمات إلى النور وإلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياه

أنزل الله تبارك وتعالى القرآن الكريم على رسوله الكريم (صلى الله عليه واله) لهداية البشرية جمعاء الى الفلاح والسعادة وإخراجهم من الظلمات إلى النور وإلى ما ينفعهم في أمور دينهم ودنياهم فقال جل وعلا: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً) (الإسراء:٩)، وقال سبحانه وتعالى: (كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد) (إبراهيم:١).

النُزول يأتي بمعنى الانحطاطُ من عُلوٍّ إلى سفل(٢)، فتقول نزل فلان من الجبل ، ونزل عن الدابة .

ويطلق على الحلول ، فيقال : نزل فلان في المدينة أي حل بها، والإنزال :الإحلال ، قال تعالى :(رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين) (سورة المؤمنون: ٢٩).

ورد لفظ “النزول” في القرآن الكريم، على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: نزول مقيد بأنه من الله سبحانه وتعالى وقد اختص هذا النوع من الاستعمال بالقرآن الكريم فلم يرد إلا معه كقوله تعالى:

١- (قل نزله روح القدس من ربك بالحق) (النحل: ١٠٢).

٢- (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم). (في ٣ مواضع: سورة الزمر/١، وسورة الجاثية/٢، وسورة الأحقاف/٢).

٣- (حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم) (سورة غافر: ١،٢).

٤- (حم . تنزيل من الرحمن الرحيم) (فصلت: ١،٢).

٥- (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) (السجدة: ٢).

٦- (تنزيل من رب العالمين).( في موضعين: سورة الواقعة/٨٠، وسورة الحاقة/٤٣) .

ولعل السبب في ذلك (أي اختيار مادة النزول وما تصرف منها) للحديث عن مصدر القرآن الكريم، ان فيه تشريف وتكريم لهذا الكتاب العزيز وبيان علو منزلته كما قال تعالى: (حم. والكتاب المبين إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم) (الزخرف: ١-٤) فالنزول لا يكون إلا من علو.

النوع الثاني: نزول مقيد بأنه من السماء. فيتناول نزول الماء والمطر ، ونزول الرجز والعذاب، ونزول الملائكة من السماء، وغير ذلك.

فقد ورد في آيات كثيرة ذكر إنزال الماء من السماء او العذاب او الملائكة كقوله تعالى:

١- (وأنزل من السماءماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم)(البقرة: ٢٢)

٢- (وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها) (البقرة: ١٦٤)

٣- (وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء) (الأنعام: ٩٩)

٤- (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من العذاب بما كانوا يفسقون) (البقرة: ٥٩)

٥- (وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين) (يس: ٢٨)

النوع الثالث: نزول مطلق غير مقيد بهذا أو بذاك، كقوله تعالى:

١- (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس) (الحديد: ٢٥)

2- ( هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين) (الفتح: ٤)

الفرق بين الإنزال والتنزيل:

ذهب إلى القول بالفرق بين اللفظتين جمع من اللغويين والمفسرين، قال الواحدي عند تفسيره لقوله تعالى: (نزل عليك الكتاب بالحق) في سورة آل عمران، إنما قال “نزّل” وقال: (وأنزل التوراة والإنجيل) لأن التنزيل للتكثير، والقرآن نزل نجوماً، شيئاً بعد شيء، والتوراة والإنجيل نزلتا دفعة واحدة.(3)

وقال الجرجاني في كتابه التعريفات مفرقاً بين اللفظتين: “الفرق بين الإنزال والتنزيل: الإنزال يستعمل في الدفعة، والتنزيل يستعمل في التدريج”.(4)

وقال الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى من سورة آل عمران: (نزّل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل): “فإن قلت: لم قيل: نزل الكتاب وأنزل التوراة والإنجيل؟ قلت: لأن القرآن نزل منجماً ونزل الكتابان جملة”.(5)

وقال الراغب الأصفهاني في مفرداته: “والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقاً ومرة بعد أخرى والإنزال عام”.

فمما ذكر فيه التنزيل قوله تعالى..: (ونزلناه تنزيلا) (الإسراء: ١٠٦) وقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر) (الحجر: ٩)… وأما الإنزال فكقوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) (القدر:١) وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل لما روي أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل نجماً فنجماً”.(6)

وقد رد ذلك من وجوه:

١- أن التضعيف في نَزَّل والهمزة في (انزل ) تفيد نقل الفعل من اللازم إلى المتعدي وليس للتكثير.

٢- أنه لو كان كذاك لما جاء قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة) (الفرقان: ٣٢) جامعاً بين التضعيف وقوله (جملة واحدة) وهما متنافيان في الدلالة حسب هذا الرأي.(7)

٣- مجيء “نزّل” المضعف في آيات كثيرة بحيث يستبعد ارادة التكثير والتنجيم إلا على تأويل متكلف وبعيد جداً كقوله تعالى: (وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربه) (الأنعام: ٣٧).

وقوله: (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً) (الإسراء: ٩٥).(8) فيمكن جعل هذا التفريق غالباً في استعمال القرآن لا قاعدة مطردة، كما ذهب الى ذلك الكثير من العلماء.

الشيخ حميد البغدادي

المصدر: موقع الجامعة الاسلامية

(١) تمت الاستفادة من عدة بحوث لإعداد هذه المقالة.

(٢) مفردات الراغب الأصفهاني (٧٤٤).

(3) البسيط للواحدي، (١٥٢). والواحدي هو الإمام الكبير اللغوي النحوي المفسر أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري . المتوفى سنة ٤٦٨هـ رحمه الله.

(4) التعريفات للجرجاني (٧٣).

(5) الكشاف (١/٤١١).

(6) مفردات الراغب، مادة نزل (٧٤٤) بتصرف.

(7) انظر: البحر المحيط (١/١٠٣).

(8) انظر: البحر المحيط (٢/٣٧٨).

 

التعليق