عاجل:
مقالات 2011-02-25 03:00 1080 0

مستويات الفساد الثلاثة

لقالق الفساد باضت وعشعشت وفرخت فوق هاماتنا ، وسيستمر ذلك الى أمد غير قليل ما لم تصحح الأوضاع وتكون الكلمة الفصل للقانون

لقالق الفساد باضت وعشعشت وفرخت فوق هاماتنا ، وسيستمر ذلك الى أمد غير قليل ما لم تصحح الأوضاع وتكون الكلمة الفصل للقانون، وما لم تتوفر الإرادة الجادة والمسؤولة، وما لم تتوافر جهود الجميع بنية صادقة بعيدة كل البعد عن الأنانية والمتاجرة السياسية. ولا نبالغ إذا قلنا إن ظاهرة الفساد ليست وليدة اليوم، إنها أرث منذ تشكل الدولة العراقية الحديثة، بل يمتد أبعد من ذلك بكثير، الى حيث كانت الباشوية تباع من قبل الباب العالي في اسطنبول ليأتينا باشا تركي أو شركسي مملوك يحكمنا لفترة ليخلي مكانه لآخر يدفع للباب العالي أكثر، ومع ذلك ندرك أن ظاهرة الفساد تبدأ بسيطة وخجولة ، ثم تتطور بتطور الأساليب المتبعة في إدارة الحياة العامة، حتى استفحلت ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم حيث لم يسلم منها صالح ولا طافح شرب ماء هذه البلاد.

الفساد لا يعني المال العام فحسب، بل يعني أيضا المحسوبية والزبائنية، ويعني اهدار الوقت وترسيخ المفاهيم الخاطئة وغض الطرف والإقرار، فساد الأخلاق والقيم وتوظيف البلداء والجهلة في المراكز الحكومية، واستغلال الطيبين دون علمهم، واطلاق الشعارات، والتماهي بمن يخالفون المنظومة الأخلاقية والقيمية عن قصد أو عن غير قصد... يستشري الفساد اليوم في جميع المجالات السياسية والإجتماعية والإقتصادية، الشيء الذي يجعل مهمة الإصلاح مضنية وصعبة للغاية، خاصة في ظل اللا مبالاة من لدن النظام والنخب السياسية.

على المستوى السياسي: شب حريق الفساد حين أنغمست القوى السياسية وبدرجات متفاوتة في ميداني الأدارة والأقتصاد، وصارت المشاركة في العملية السياسية وسيلة للحصول على المكاسب الأقتصادية والنفوذ المالي الى مستوى تحولت فيه أحزابا وقوى سياسية كثيرة الى شركات مساهمة ، راسمالها نفوذها السياسي فقط، وأدواتها الضغط السياسي وإصطناع الأزمات، وفي مراحل أخرى العمليات القذرة المتمثلة بقتل وتصفية الخصوم في معركة مناطق النفوذ.. وفي المعلومات أن عددا كبيرا من الحوادث الأرهابية قد جرت على خلفية الصراعات المالية بين قوى سياسية نافذة في هذا الميدان أو ذاك...مما أنتج وضع خاص على حساب الوطن والمواطن، مستغلين البنية الهشة لمجتمع ذي إتنيات وأعراق مختلفة،أضف إلى ذلك استغلال بعض الأنظمة الإقليمية ضعف الكيان الوليد والزج به في متاهات لم يستطع الخروج منها إلا بدفع نفسه فدية ليستمر الفساد السياسي وإلى اليوم.

ودون الدخول في تفاصيل الكثير من مرحلة بناء الدولة العراقية الجديدة، فإن البطانة والجهل والنظرة الإقصائية وإثارة النعرات والعزف على وتر الطائفية والمناطقية، وشراء الذمم والتشهير بالخصوم واستغلال النفوذ، ظلت سمة بارزة منذ سقوط نظام صدام إلى اليوم،غير أن الحلقة الأكثر فسادا تلك التي جاءت مع مطلع اللعبة الديمقراطية حيث انحرفت بها القوى السياسية النافذة عن مسارها، ورسخ ديمقراطية الفساد مستغلة آلام الشعب، ،حيث تشكل مسرح جديد مخالف للقيم الديمقراطية، همه الوحيد حفظ الكرسي، واطلاق العنان للنهب والتمول وإشاعة الروح المادية على حساب الأخلاق والقيم، وانقلبت المفاهيم رأسا على عقب حتى صار الناس يتهكمون على الموظف النزيه ويتندرون به، وبالمقابل يمتدحون العكس، مما شجع ضعفاء النفوس على نهب المال العام كل حسب أسلوبه في ذلك، المهم أن يكون مخلصا لزعامة سياسية وأن يضمن حصتها من الكعكة.. وأن لايحدث نفسه بشق عصا الطاعة كي لا يتعرض للتصفية أو التشهير، وفي تلك المسميات فاليتنافس المتنافسون.

وعلى المستوى الإجتماعي: فغياب الوعي وصمود المفاهيم المتخلفة المعادية للدولة، والنظرة الضيقة للحراك الحضاري العالمي، والإنطواء على الذات ونبذ الآخر والإعتداد بالماضي، وترسخ الفئة وضعف الدولة، وسيادة الثقافة التقليدية على حساب الحديثة وقلة وسائل إعلام وطنية ناجعة،كلها أمور ضمن أخرى جعلت المجتمع يظل يراوح مكانه، مما جعله تربة صالحة للفاسدين ينالوا منه حيث وكيف يشاؤون، متخذين وسائل شتى لتحقيق ذلك، فتارة يعزفون على وتر المناطقية، وتارة على وتر الدين والمذهب، وعلى وتر الذود عن الحمى والهوية وحفظ المجد تارة أخرى، الشيء الذي أوجد مجتما هلاميا قل ما يقال عنه إنه مجتمع لا يشبه إلا نفسه، فهو من ناحية مثلا ينبذ السرقة وفي نفس الوقت يشجع النهب، يهيب بالحرية ويستعبد الناس، يهاب الملكية الخاصة وينتهك الملكية العامة ،يقر بأن الوطن للجميع وكل يعلم ما في قلبه، يسن القانون ولا يخضع له..

وعلى المستوى الإقتصادي: فإن غياب الرقابة وسوء التسيير، والتمكين لأصحاب النفوذ وضعف التشريعات المرتبطة بالإستثمار، وفساد القضاء وعدم فاعلية الكادر البشري، وانعدام وسائل الإنتاج وسوء التخطيط وفساد النظام الجبائي والضريبي، وضعف البنية التحتية والإنفراد بالسلطة، كلها أمور جعلت إقتصادنا في ترد دائم ولا حلولا حتى الآن تلوح في الأفق.تلكم بعض المشاكل المعيقة لتقدمنا، ولابد لها من حلول وإلا فإن المستقبل لن يرحمنا طالما لم نتحرك سريعا لنلتحق ولو بمؤخرة الركب،ولن يتأتى ذلك إلا بالمصارحة والمكاشفة وتسمية الأشياء بمسمياتها ومن ثم العمل على تحقيق ما نصبو إليه عبر منهجية حكيمة وراشدة.

التعليق