عاجل:
مقالات 2011-11-28 03:00 513 0

مأساة الحُسين؛ بين جفاء الشـــيعة و ظلم السُـــنّة

قبل عالم ألذّر .. بستّة آلاف عام ..أبْرمَ الباري ميثاقاً مع آلحُسين (ع) ليكون قدر ألكون الذي سيتحدّى به ربّ ألعباد أصل ألشّر ألذي سيظهر في آلكائنات

مُقدمة ألمأساة :

 

قبل عالم ألذّر .. بستّة آلاف عام ..أبْرمَ الباري ميثاقاً مع آلحُسين (ع) ليكون قدر ألكون الذي سيتحدّى به ربّ ألعباد أصل ألشّر ألذي سيظهر في آلكائنات حتى آلملائكة بسبب ألعلو و آلتّكبر ألذي أصيب به رئيسهم ألشيطان الّلعين و الذي سيُخلع من منصبه, عندما يَعترض و من معهُ من آلملائكة على خلق آدم لاحقاً:

(قالوا أ تجعلُ فيها من يُفسد فيها و يَسفك ألدّماء و نحن نُسبّح بحمدك و نُقدّس لك)(1)؟

فكان فصل ألخطاب ألألهيّ مباشرةً مع أؤلئك ألمُعترضين على خلق أبونا آدم (ع) ألّذي سقط في الأمتحان ألعملي بعد نجاحه في آلأمتحان ألنّظري .. ليكون إيذاناً بالبلاء و المحنة للأسف (فعصى آدم ربه فغوى), و لولا توبته لكان من الخاسرين - و كان فصل الخطاب آية إحتوتْ  الكثير من آلأسرار الغامضة : (إنّي أعلمُ ما لا تعلمون).

 فما الذي كان يعلمه الله؟

و ما هي أصل ألقصّة (ألمحنة) التي ما عرف - لا آلشّيعة و لا آلسّنة ناهيك عن أصحاب ألكتب ألسّماوية – تفاصيلها و أسرارها ألموثقة(2)؟

 

  بعد أنْ أتمّ الباري تعالى خلق أهل الكساء ألخمسة كما إستنبطنا من الروايات و آلأحاديث والقرآن الكريم, قال تعالى للحسين (ع) : أريد تجلّياً في هذا الوجود العظيم بظهورٍ يليق بوجهي و مقامي فيه, لردم ألشّر الذي بدأ الشيطان يكتنفهُ لعلمه بخلقي لكم و إعتباركم أهل بيتي في هذا آلوجود ! فهل لك يا شُبّير (ألحسين) أنْ تكون لها؟

 

أجابَ آلحُسين (ع) غير مبالياً و بكل بساطة : سمعاً و طاعة .. إنّه من دواعي ألفخر و آلأعتزاز أنْ أكونَ أنا الذي منْ سيتحمل تلك الأمانة التي تبدو أنّها عظيمة جدّاً! لكن منْ أنا مُقابل عظمتك يا خالقي و ربيّ حتى تستشيرني بالرّفض أو القبول؟

 ثمّ أنهُ معيَ منْ هم أولى بهذا الأمر العظيم كجديّ و أبي و أميّ و أخي, فلماذا وقع التقدير علينا؟

 

و ما هذا الأمر الذي يحتاج كلّ هذه المُقدمات و آلأذن و آلتحضير و أنت القاهر فوق الخلق و الكائنات و الوجود؟

 

قال تعالى: لِكُلّ من ذكرتَهم – جدّكَ و أبيكَ و أمكَ و أخيكَ – يوماً! لكنْ لا يومَ كيومكَ يا شُبّير!؟!

 

ثمّ بيّنَ تعالى أصل ألمأساة بآلقول : سأخلقُ بشراً من صلصالٍ من حمأ مسنون, و سيكون هناك مراتب و أحداث و محن, و الكثير منهم سَيَكْفرون و يستكبرون, لأنّ الذي  يُقدسني حتى هذه اللحظة ذو شأن عظيم,  هو رئيس ملائكتي , و قد عبدني أربعة آلاف عام و ما يزال, إلاّ أنه سيختار طريقاً آخر لأستكباره مُتأملاً نيل ما ليس من حقّه, بعدما أصيب بالعُجْب,  و هو ماردٌ أقسمَ على غواية العباد إنتقاماً, لأني شئْتُ أنْ أجعلكم خلفائي في هذا الوجود بعدما أثْبَتّم صدقكم و وفائكم لي من قبل, لذلك سيسعى بكلّ كيده كي يعلو عليكم و على أتباعكم, مُحاولاً إثبات موقفه تكبّراً و علواً أمام إرادتي, و ستكون أنت يا حُسين من يتصدى لهذه الأمانة العظيمة لإثبات حقيّ بمشيئتي, و سيأتي دورك بعد خيانة القوم لجدّك  و أبيك و أمك الزهراء و أخيك شبر (ألحسن), حيث سينقلب القوم على أعقابهم, لكن يومك سيكون غريباً على أهل السموات و الأرض, و وحدك من سيتحمل أمانتي و صورتي الحقيقة للأجيال في الوجود بعد شهادتك الكونية المباركة, لتكون مثلاً أعلى للأنسان ألكامل ألذي وحده سيعرف سرّ ألوجود عبر آلأزمان و آلأكوان, و ليس هذا فقط بل ستكون مُفسّراً لآياتي و أسباب خلقي لهذا آلوجود .. حيث سيعلم الكائنات تفسير: { إنّي اعلمُ ما لا تعلمون} و لا يبقى بعد ذلك من لا يعرف آلسّر و آلمعنى لو أراد!؟


قال الحسين (ع) ما آلأمر يا معبودي ؟

 

لقد شغل وجودك وجودي,  و هواك هواي , فهل لي الخيار مقابل خيارك و أنا آلعاشق ألمُتيم؟

 

و هل سينقلب الكون بعد إنقلاب القوم على أعقابهم بعد رحيل جدّي ألذي أمينك و حبيبك و خاتم رُسلك و أنبيائك ؟


قال تعالى: نعم هو كذلك, لكنّك ستكون ناجياً و حائلاً عن وقوع هذا آلأمر ألعظيم ؟

 

قال الحسين (ع): إذن و الله فُزْتُ فوزاً عظيماً!

 

قال تعالى هو كذلك, لكنك ستُقتل و يُقطع رأسك ثمناً لذلك.

 

قال: و عزّتك و جلالك إنها أهون ما يكون عليّ ما دام في رضاك.

 

ثم أعقب تعالى: لكن ياشُبير (حسين)؛ ليس هذا فقط, و إنّما أصحابك آلأوفياء و أهل بيتك الأبرار و هم خير آلبريّة سيُقتلونَ أمامكَ بأبشعِ صورةٍ .. هنا أعقب شُبّير (ألحسين) بالقول:
هو و هل ذلك سيكون يا إلهي برضاهم أيضاً أم مُجبرون عليه؟

 

قال تعالى: بلْ بكاملِ رضاهم و إختيارهم.
ثم قال تعالى: لكن يا حسين؛ لا يتوقف الأمر عند هذا آلحدّ! بل سَيَقِتِلُ آلقومُ إخوتكَ و أوّلهم قمر آلكونين أبا آلفضل ألعبّاس.

 

قال آلحُسين: لقد عرفتُ هذا .. فقد أخبرني للتّو أبي, و كأنهُ يُواسيني, و تَعَهّدَ بأنْ يكونَ أخي ألعبّاس من خيرةِ ألأصلاب قويّاً شهماً ليدافع عني في تلك آلواقعة آلداميّة.

 

 فقال تعالى: نعم و هو كذلك.

 

ثمّ قال تعالى: يا شُبير (حُسين) عَلَيّ أنْ أُخبركَ بشئ مَهيب و إنْ كانَ يحزّ في نفسي قوله؛ لكنّي أنا الله ألمَلكُ آلحقّ آلمُبين .. و عليّ بيانه و هو:

إنّ فصول ألمحنة لا تكتمل حتّى يستشهد أصغر جنديّ معكَ لتكون واقعة  ألطّف و هو إبنك الرضيع عبد الله.

 

هنا نَظرَ شُبير (الحُسين) و قد تمالك وجوده آلمقدس شيئاً من آلتّوجس و آلتّرقب قائلاً: يا إلهي أ وَ يكونُ ذلك حقّاً؟
لأنّ آلطفل بكلّ ألمقايّس و الأحوال لا ذنبَ و لا جناح عليه؟

 

قال تعالى: إيّ و عزّتي و جلالي, بلْ إنّ أعوان ألشّيطان سيُقطّعُونَ جَسَدَكَ إرباً إرباً و سَيَسْبُونَ حَرَمَك و عيالك, و سَيَلْقونَ منْ بعدكَ آلكثير من آلأذي و آلغربة و آلذّلة؟

لأنّ تلك آلشّهادة ستَفْصَح عن ألحقّ في كلّ آلكون, و هي العَلَمُ آلذي سَتَرْفَعَها منْ بَعدكَ أُختك زينب لتثبيت خلافتي في آلسّماوات و آلأرض و لو بعد حين.

 

قال آلحُسين (ع) رضاً برضاك صبراً على قضائك لا معبودَ سواك .. إقضِ ما أنتَ قاضٍ, ستَجِدُني إنْ شاء الله من آلصّابرين.


و هكذا قضى الله أمراً كان مقضيا!

 

فصول ألمأساة:
 

سلام على روحكِ ألطّاهرة يا أمّاه .. و أنا أعيدُ ذكراكِ مع عاشوراء ألحسين (ع) .. ما زالت همساتك الحزينة تُراودني, و دموعك تتلئلأ  لناظري ..  يا مَنْ علّمتيني حُبّ الحُسين .. ذلك آلحُبّ ألحزين .. ألذي سَكَنَ قلبي و كبر معي, ليصير قدري ألّذي إحتواني بلا إختيار, حتى أسال مدامعي, و أقْرَحَ جفوني, و كم لطمتُ على رأسي و صدري و لعنت آلظالمين ألذين فصلوا  ذلك آلرأس ألشّريف ألمقدس عن جسده الطاهر أيّام عاشوراء من كلّ سنة.

 

  تصوّرت طويلاً أنّ تلك المأساة وقعتْ مرةً  لتخلد أبداً مع آلتأريخ لنعيد ذكراها في موسم مُحرّم ألحرام من كلّ عام و كفى ! و هكذا تعاملنا مع تلك آلقضيّة الكبيرة بلّ ألسّر ألأعظم الذي كان سبباً لحفظ الأسلام على آلأقل في آلأطار الفكري .. و كثيراً ما سألتُ أصحاب المنابر من آلمُعمّمين الذين كانوا يأتوننا من آلنّجف ألأشرف خلال آلستينيات و بداية ألسّبعينات من القرن الماضي لأحياء "موسم" عاشوراء سنويّاً بالطرق ألتقليديّة ألتي إعتادوا عليها حتى يومنا هذا - سألتهم عن معنى و سَبَبِ تكرار مقولة؛ {يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً؟}.

 و هل نحن الآن خسرنا .. لأننا لم ندرك ألواقعة؟

 لكن دون جواب!

 

 لتتحوّل أكبر قضيّة في آلكون بسبب ذلك آلتّعاطي ألخاطئ و آلمُستمر لحدّ الآن مع مرور الزمن؛ إلى مُجرّد مراسم روتينيّة حتّى تَحكّمَ في توجيهها ألطّغاة ألحاكمين و حتّى ألمُعَمّمين لمآربهم و مواقعهم و جيوبهم, مُسْتغلين عواطف ألنّاس ألغرائزية و حُبّهم الفطري و بساطتهم و أندفاعهم نحو آلحُسين (ع)!

 

  كان بيتنا ألقديم أيّأم زمان يتحوّل إلى مأتمٍ و عزاءٍ لأكثر من عشرة أيام  ليكون ملتقىً لجميع أهل محلّتنا نُوزّع خلالهُ ألدّارجين و آلشّاي و الطعام و آلسّكائر, ثم تعود الحياة لمجاريها بمجرد إنتهاء عشاء الليلة الحادية عشر من شهرِ محرّم الحرام, و التي سُميت بعشاء آلغرباء - كفصلٍ أخير لفاجعة كربلاء!

 و قد يتذكّر ألكثير من آلأخوة ألمُحبّين كيف إنّ رجال ألأمن كانوا يجبرون ألقائمين على تلك آلمآتم و آلحُسينيّات لِتمجيد ألطّاغية ألمقبور صدام ألذي قتل أحفاد الحسين(ع) هو آلآخر و منع ألشّباب دون سنّ ألثّامنة عشر في بغداد و آلمُحافظات من المشاركة في مراسم العزاء رغم تقليديتها و سلبياتها .. بحُجّة ألحفاظ على هدوء و نظم ألمكان و قدسيّة ألمراسيم.


 و هكذا تعاطينا مع أكبر قضيّة في آلوجود بحدود ذلك آلأطار ألتّقليدي, حتّى سنّ ألسّادسة عشرة على تلك آلوتيرة سنويّاً, و لم نكنْ نعي حقيقة شهادة الحسين (ع) و أبعاد رسالته ألعظيمة!

 

 و تلك آلنّهضة ألفاصلة بين خط ألكفر و خط ألإيمان ..

بين آلحقّ و آلباطل ..

بين ألحريّة و آلعبوديّة ..

بين آلتّكبر و آلتّواضع ..

بكل معانيها آلتي ما تزال غامضة في آلحوزات و آلأكاديميات و الأوساط العراقيّة و آلعربيّة و حتّى الأسلاميّة رغم مرور ألقرون عليها.

 

 لذلك إسْتمرّ آلطواغيت بإستغلال ألأنسان مستخدمين ذلك آلنّهج ألتقليدي لأستحمار آلناس و تخديرهم للتسلط عليهم إلى أبعد مدىً مُمْكن, بينما كان يفترض بآلنظام  الأسلامي - كونهُ شاملاً و كاملاً لجميع مناحي الحياة - أنْ يتقدّم على بقيّة الأنظمة الوضعية التي كرّست الفساد و الظلم و الأستغلال في آلأرض!

 

  إنّها قضيّة حياة و موت ..

فإمّا أنْ نكونَ مع آلحُسين أو لا نكون ..

و وآلله حين وَعَيْتُ موقف ألحُسين (ع) بفضل ألله؛ رأيتهُ و كأنّه يعيش معنا حيّاً, و لا يتحسّس ذلك إلاّ الأنسان المُؤمن ألصّدوق, ألّذي عاهد الله على آلحقّ و لم يُتاجر بدم ألحسين كما يفعل أهل المنابر و عديمي ألضمير!

حيث تتكرّر تفاصيل عاشوراء معنا كلّ يوم, عبر مواقفنا في الحياة .. بل في كلّ ساعة من خلال تعاملنا و تعاطينا مع مبادئ نهضة الحسين (ع) و تأثيره في واقعنا العملي, و لستُ مبالغاً إنْ قلتُ: كلّ لحظة من لحظات حياتنا و في تفاصيل تحركنا و معيشتنا و صدقنا مع آلآخرين .. و آلذي لا يتحقّق هذا آلمستوى في قلب الانسان ما لم يَقتلَ ذاته!



فآلثّبات على آلحقّ بالصدق مع آلذات في زمن ألدّجل و آلكذب و آلتزوير رغم ما يُكلّفنا هو:

موقفٌ حُسيني بإمتياز!



و تحمّل أذى آلآخرين (ألزوجة \ ألزوج) و آلحفاظ على سلامة و أمن أجواء ألعائلة و المُقرّبين لتنشئة جيل صالح واعي موقفٌ بطوليّ و شجاع!



و مُداراة ألنّاس و آلسّعي لخدمتهم و آلتّواضع لهم, خصوصاً للمُحتاجين و آلمرضى و أهل ألفكر منهم  .. هو موقفٌ بطوليّ مُتقدّم يَدُلّ على كثرة ألثمر ألّذي جناهُ فاعله لأيمانه ألصّادق و آلعميق بقضيّة ألحسين(ع)!
 

و تعديل نظرتنا للمرأة و آلتّعامل معها أخلاقياً و إنسانياً, كما تعامل معها آلحسين (ع) و ذبّ عنها حتى و هو في أصعب و أشدّ ألمواقف حراجةً يوم عاشوراء .. يُمثّل قمّة ألتمسك و آلثبات على آلمبادئ ألّتي ضحّى بنفسه (ع) من أجلها!

و إنّ حفظ صلة ألرّحم, و آلدّفاع عن ألمظلومين .. حيثما كانوا و بمجرّد سماعنا للظليمة و محاولتنا لأسترداد ذلك آلحقّ المُضيّع بكُلّ ألوسائل و الأساليب  ألمُمْكنة.. ثمّ  آلسّعي لتغيّر ألمُنكر و إبداله بآلمعروف

و الحكم بما أنزل الله تعالى بين آلعباد هو إيثارٌ لا يرقى لمستواهُ شئ!
 

و آلصّبر على آلطّاعة و آلمعصية عند تعرضنا لهما ..


و طلب ألعلم للأصلاح لا للتظاهر و آلفخر .. هي غاية رسالة الحسين (ع)!


 و لا تقلّ عن شهادة و موقف أصحاب ألحُسين (ع) ..

بل عنْ شهادة و موقف ألحسين (ع) نفسه .. مع فارق ألعصمة و درجة آلأيثار, و لا تَعِيَها إلاّ أذنٌ واعية.

   

فيا شيعة ألحُسين .. إنّ إمامنا آلمظلوم لم يستشهد لمآرب آنيّة؛ أو بسبب مواقف عسكرية؛ أو خلافات سياسيّة؛ أو ضغوطاً إقتصاديّة بحتة كانت وليدة وقتها؛ كما تصوّر آلخطباء و "آلعلماء" و " المراجع" ألتّقليديّون للأسف ..

و لا طمعاً بآلخلافة كهدف ..

إلاّ لإقامة ألعدل بين آلناس ..

و لا للتّظاهر بالعصمة و السّيادة و الأمامة  إلاّ كونها حقٌ إلهيّ لا دخلَ و لا حقّ للبشر فيها من ناخِبينّ و وجهاء و شيوخ و أحزاب و غيرها ..

و إنّ شهادته (ع) كانت علامةً و إنذارٌ لمسألتين أساسيتين يمكننا حصرهما بآلتالي :

ألأولى:

  وعي فلسفة و غاية أحكام ألأسلام و تطبيقاتها في واقعنا ألمعاش على المستوى الشخصي و الأجتماعي.

 ألثّانية:
رفض ألظالمين و آلمتسلطين بالمحاصصة و الأكثرية و الأقلية و الدّيمقراطية و التكنوقراطية و الملكية و الليبرالية و المصالحة و الوطنية و آلمهادنة و التكتلات و آلتشاورات, فجميعها ليس فقط لا تعبر عن حقييقة ألعدالة و روح ألأسلام ألحُسينيّ .. بلْ تُدلّلُ معالمها و وقائعها آلّتي شهدنا عليها؛ على ألوان الأنتهازية و آلتكبر و التسلط و آلتّلاعب بحقوق و أموال ألنّاس عموماً و الفقراء ألمستضعفين خصوصاً لصالح  طبقة ألأثرياء و آلأرستقراطيين بدعم و إسناد من آلليبراليين ألدّيمقراطيين و أصحاب الجاه و الخطوط المائلة.

 

 أمّا مسألة الأرتباط بالمُستكبرين فهذا موضوع لا مجال له في قاموس ألشّرفاء و مُحبيّ ألحُسين (ع), حتى لو أقاموا ألمراثي و آلعزاء, أو تبرّعوا بشئ من المال, بل يُعتبر إصطفافاً مع آلظلم رغم كلّ المُدّعيات التي قد يدّعونها كالانتساب للشهداء أو لشيعة الحسين (ع) أو للحسين (ع) نفسه نسبيّاً, فذلك كلّه لا يؤدي سوى لتكريس مأساة الحسين (ع) و إدامتها.

حيث يستحيل أنْ يكون أمثال هؤلاء ألحاكمون و آلمُعمّمون؛ إنسانييون و منصفون في تعاملهم مع حقوق و كرامة ألأكثرية ألمُستضعفة من آلنّاس بسبب تناقض مواقفهم و لقمة ألحرام ألتي تغلغلت في خلاياهم, و آلأموال ألحرام ألّتي إستثمروها بأسمائهم و بأسماء ذويهم و مُقربيهم, و آلأهمّ من كلّ هذا هو؛

عدم إمتلاكهم لرأيهم بسبب تحكّم ألقوى ألكبرى بقضاياهم ألمصيرية و سكوتهم عن ذلك من أجل مصالحهم.
 

كلّ هذا لأنّ مفهوم ألسّياسة و آلحكم في فكر  ألأحزاب ألسّياسية ألوضعيّة و حتّى ألدّينية ألّتي لا  ترتبط بولاية ألفقيه في دولنا هو؛

أنْ تَهدم وطنك و تسرق الناس لتبني بيتك و عشيرتك و حزبك!

و كلّنا شاهدين أليوم على أمثلةٍ واقعيّةٍ واضحةٍ في إثنان و عشرين دولة عربيّة مسلمة بالأضافة إلى ثلاثين دولة إسلامية أخرى في بقاع الأرض!

بإستثناء ألدّولة الأسلامية في إيران .. ألّتي تتحكّم  بقضاياها ألمصيرية و كرامة أرضها و شعبها وليّ ألفقيه ألذي ورث ألفقاهة من مدرسة ألحسين و أهل بيته(ع) بأمرٍ من آلأمام ألحجّة(عج) بحسب ألتوقيع ألمباشر عنه و الذي ورد فيه:

{من كان من آلفقهاء صائناً لدينه مخالفاً لهواه مُطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يُقلدوه].

 و آلجّدير بآلملاحظة أنّ إمامنا آلحجة المعصوم(ع) لم يُحدّد ألجنسيّة للمتصدي ألفقيه, و نرجو من آلعرب ألأنتباه لذلك.


ألأمام ألحسين (ع) كما الأمام علي (ع) أرادا الحريّة و العدل و آلرّفاه و آلمُساواة بين آلنّاس, كونهم كأسنان المشط متساوين في الخلق و الأنسانية و الحقوق و لا فرق بين عالم و أمي و عامل و فلاح و تاجر و كاسب و رئيس و مرؤس و مسيحي و مسلم, لذلك فالحُسينيّ أبداً لا يُوافق و لا يُوالي ألظّالمين ألذين يتعاملون بالطبقيّة و الحزبيّة و المحسوبيّة و المنسوبيّة رغم إنّ شعاراتهم و دين دولهم قد تكون الأسلام في آلظاهر - كما هو حال عراقنا اليوم  و جميع  الدّول  العربية – لكن ذلك لكمّ الأفواه و إسكات صوت دعاة ألحقّ ألذين يُريدون تطبيق أحكام الإسلام تحت عباءة ألمرجعيّة ألصّالحة ألممتدة من ولاية ائمة الحقّ من أهل بيت الرّسول (ص).

 

و هكذا فُعِلَ بعد آلسّقوط بأهل  ألعراق ألذين كان أكثرهم يتلّهفُ - خصوصاً ألدّعاة الواعيين - لتطبيق هدف و سرّ ثورة الأمام الحسين(ع) - كي يكون الأسلام دين الدولة بحق .. أحكاماً و تطبيقات و ليس بالشكل و الشعار و الأدّعاء فقط, بل من خلال تفاصيل البنود و المواصفات التي ترد في مواد الدستور الثابت و من خلال سلوك و حياة و أخلاق المتصدين, خصوصاً فيما يتعلق بشخصيّة و مواصفات الحاكم و القائمين على السلطات الثلاث أو آلأربع (القضاء, ألأجراء, ألتشريع, ألأعلام) و نوع العلاقة بينها و بين وليّ الفقيه و صيغ العمل بينهما, و موقع الأنتخابات و مواصفات المُنْتَخَبين و المشرفين على الدوائر و الوزارات بالأضافة إلى القائد العام للنظام الجمهوري ألأسلاميّ ألجّديد, و الذي من المُفترض حسب مفهوم آلأمام  ألحسين (ع) أن يكون للمعصوم في زمن الحضور و لوليّ ألفقيه ألذي يمثل ألأمام المعصوم في زمن الغيبة, لكنْ لمْ يحصلْ حتّى أقلّ منْ هذا في عراق  الحُسين (ع).

و آلغريب أنّ ألمرجعيّة نفسها مع إحترامنا لها رجعتْ إلى عادتها آلقديمة بينما أثبتتْ ألأمّة وفائها و إستعدادها للتّضحية و آلوقوف بجانبها رغم كل سلبياتها و على آلرّغم من جهلها الواضح برسالة ألحسين(ع) .. مُضافاً لها ألمواقف ألظاهرية ألأيجابيّة للكثير من المسؤولين في النظام الجديد و زياراتهم المنتظمة لها,  لكنها – أي ألمرجعيّة - إكتفتْ في بداية ألسّقوط بإصدار مجموعة من الفتاوى الإنشائيّة ألعمومية ألتي إنحصرت مضامينها في (ضبط النفس  وحرمة قتل المسلم و آلصبر و التأنّي في المواقف التي قد تُتّخذْ) و كان أسوء فتوىً حين أفتَتْ بآلقول:
[لو أنّ آلسّنة ذبحوا نصف شيعة ألعراق فأنّني لن أفتي بقتالهم]!؟

 

 و لم تتعرّض مرجعيّتنا ألعتيدة أيضاً لا من بعيد و لا من قريب؛ في رأيها و موقفها إلى تفاصيل القوانين و الأحكام المصيرية و المواقف ألشّرعيّة  من آلأحداث و المحن ألمصيريّة ألتي تعرّض لها البلاد؛ من خلال أهمّ بنود ألقانون ألأساسيّ؛ كأمور القضاء و الولاية و الفدرالية و حقوق و كرامة الناس و التي هي الأهمّ و فوق كلّ شئ.

لذلك بقتْ ألكتل السّياسية في الحكومة نفسها تعمل برأيها  لتتأرجح بحسب هواها و تراوح مكانها في إصدار ألقوانين و إنتخاب و تشكيل الحكومة و إنتخاب المتصدين فيها, خصوصاُ خلال أزمة ألأنتخابات لعام  2010 .. و ما تزال ألأمور تسري بين المحاصصة و الاغلبية و التكنوقراط و هيمنة القوى الكبرى و آلتدخلات ألأقليمية!

 و المرجعية ألدينية لم تكن فقط ساكتة؛ بل قفلت أخيراً أبوابها و أعلنتْ مقاطعتها للحكومة و للمجتمع العراقي, و لم تُحرّك ساكناً لأنّ حقوقها و رواتبها كانت مُستمرّة و مضمونة من قبل ألمُمولين من أمريكا و أوربا, ممّا سبّبت ضياع المليارات (أكثر من سبعين مليار دولار) من أموال فقراء الأمة, لتذهب أكثرها في جيوب أعضاء البرلمان و الحكومة و أقطاب ألأحزاب ألسياسية التي ليس فقط لم تقدم ما كان مأمولاً منها بل سببت تدمير العراق, في مقابل تلك الأموال الحرام الكثيرة مع إحترامنا لبعض المخلصين.

 كما إنّ ألمرجعيّة التي تدّعي إمتثالها لخط ألحسين (ع)؛ لم تتّخذْ موقفاً واضحاً و إلى الآن و لم تتدخل و لم تنطق بحرف مقابل ما يتعرض له كرامة البلاد و العباد في بلد الحسين (ع) إلى الإهانة و الظلم و الفساد بسبب أهواء المتسلطين و التدخلات الأجنيبة و عوامل الضغط الخارجي و  الدّولي و الاقليمي, لتُثبتْ بذلك أنها لم تحكم بما أنزل الله ..

[و منْ لمْ يحكم بما أنزل الله فأؤلئك؛
- هم الكافرون ..
- هم الظالمون ..
- هم الفاسقون](المائدة : 44 و 45 و 47).

 

لقد إتّخذ ألمصلحون الثائرون أمثال ألأمام الخميني (رض) و الشهيد ألمظلوم الفيلسوف محمد باقر الصدر (قدس) و معهم الآلاف من المؤمنين ألرّساليين و المفكرين و العلماء  الذين إستشهدوا -إتخذوا الولاية سبيلاً و نهجاً في الحياة بإعتبارها صمام الأمان لإجراء العدالة و آلأصلاح, و هي آلأوْلى و المُقدَمة على كلّ العبادات ألتّقليدية الأخرى حسب الرواية المشهورة عن الأمام الصادق(ع):


 


[بُني الأسلام على خمس؛ على الصوم والصلاة والحج والخمس والولاية و ما نودي بشئ مثلما الولاية].

يعني في حالة عدم تَحَكّم الولاية(ولاية ألفقيه في عصر الغيبة هذه) في حياتنا الأجتماعية بكلّ تفصيل فلا أهميّة و لا معنى و لا إعتبار للصّوم و الصّلاة و الحج و الخمس و العبادات الشخصية و المراثي الحسينية و غيرها.

كما أن حديث زرارة(رض) و حديث أبي خديحة(رض) ألمشهورتان و المقبولتان لدى جميع ألعلماء - هما ألحَكمُ ألفصل بين خطابنا و بين خطاب الآخرين من الذين إتّخذوا الأسلام شكلاً بلا مضمون, و شعاراً بلا تطبيق؛ ليكون  غطاءاً لمآربهم و شهواتهم و أنانيتهم و تحزّبهم و نهبهم للحقوق للأسف, خارج ولاية المرجعية ألدينية المباشرة لأدراة و توجيه عملهم بما يرضى  الله تعالى لضمان سيرهم على خطى آلحسين (ع), كي يُحصروا بموقفهم هذا جهلاً أو تجاهلاً مبادئ ألدّين ألأسلامي ألف سنة أُخر بين جدران المساجد و بيوت الحوزة التقليديّة التي أكل عليها الدهر و شرب.

بالطبع هذا الخطاب ألتقليدي للمرجعيّة ألدينيّة قد أفرح بآلضّمن - من باب تحصيل حاصل - إخواننا (ألدّعاة)(3) عموماً و آلعلمانيين خصوصاً كي تتفرغ  ألسّاحة لهم تماماً ليفعلوا الحلال و الحرام كيفما شاؤوا و حسب أهوائهم و مصالحهم, بعيداً عن ألرّقابة ألشرعية ألألهية ألمتمثلة بمرجع تقيّ شجاع مقتدر  فوق رؤوسهم ليحكم بينهم بالحق كوليّ للفقيه, يُوجه و يُحاسب المسؤولين وأعضاء الحكومة و كلّ من تُسول له نفسه مباشرةً أو عن طريق مُمثّلين أتقياء في كلّ المؤسسات و الوزارات و الهيئات العليا في الدولة لخدمة الناس بما يضمن كرامتهم و عيشهم
.

 

  أنه لَمِنَ المُؤسف جدّاً جدّاً أنْ يُسنّ دستوراً لعراق الحسين عليه السلام مكوناً من أكثر من مائة و خمسين بنداً لتحديد مصير الأمة المنكوبة فيه و هو لا يحتوي على بندٍ إسلاميّ واحد .. و المصيبة الكبرى و التناقض الفاضح هو التصويت على أنّ الدّين الرّسمي للدولة هو الأسلام كما فعل الشاه المقبور و قادة الدول الأسلامية والعربية و صدام المجرم من قبل!

 

إن ما ورد في مقالنا هو إمتثالٌ لخطاب الأمام ألحسين (ع) و موقفه .. ذلك آلخطاب ألذي لا يَعِي و لا يرعى  علماء  المسلمين التقليديون من مضمونه و موقفه - جهلاً أو جُبناً أو تثاقلاً- سوى ما يُوافق مصالحهم و فتاواهم و يُؤمّن مصادر رزقهم و حياتهم في إطار ألعبادات و آلمعاملات ألشّخصية بحدودها الضيّقة.

 ليبقى المسلمين ألموالين من شيعة أهل آلبيت(ع) بسببهم مُشرّدين و مُشتّتين  في العراق و دول الخليج بشكل خاص بحيث يكون وضعهم جاهزاً لكلّ الأحتمالات و آلمحن لاستمرار تسلّط المتكبريّن و المجرمين و آلأنتهازيين عليهم.

 

أمّا إخواننا ألسُّنة .. فمعظمهم ليس فقط لا يعرفون أصل ألقصّة إلى آلآن مع تفاصيلها!
أو آلفرق بين آلأمام ألحُسين بن علي (ع) ألمظلوم و بين يزيد بن معاوية ألظّالم!
بلْ ألمُصيبة و ألأمرّ من كلّ هذا يقولون :
[ سيّدنا يزيد قتلَ سيّدنا آلحُسين ].

و إنّ آلمُتشدّدين منهم و الذين أعمى الله قلوبهم؛ كآلطالبان يقولون:

[ سيّدنا يزيد بن معاوية ألمظلوم ألغير معروفٌ حقّهُ مظلومٌ من قبل ألمذهب ألشيعي لأنّه إجتهد في قتل الحسين فأخطأ ].

و آلأمرّ ألأمرّ إنّ آلمجرمين منهم كالوهابية يقولون:

[ بأن آلحسين بن علي قتل لأنه خرج عن طاعة خليفة ألمسلمين يزيد ].

و لهذا فأنّنا مع هذا آلوضع ألمتخلّف و آلمأساوي؛

إنْ لم نعي ثم نُجسّد مبادئ ألحسين (ع) ألأصلاحية بعد معرفة حقيقتهِ قبل كل شيئ؛

فأنّ المأساة ستستمر على آلبشريّة بين جفاء آلشيعة و ظلم السّنة.

و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.



التعليق