عاجل:
مقالات 2011-11-28 03:00 712 0

؛؛لعنة استمرار رموز السوء بالتسلط ؛؛ تكسر مبدا التغيير وتجهض الديمقراطية(1)

هل الديمقراطية في مجتمعاتنا الشرقية هي اصلاح ونظام مثالي فعلا؟ ومتى تكون الديمقراطية بابا للهمجية والفوضى المتسلحة بالجهل والتي تختبي

هل الديمقراطية في مجتمعاتنا الشرقية هي اصلاح ونظام مثالي فعلا؟ ومتى تكون الديمقراطية بابا للهمجية والفوضى المتسلحة بالجهل والتي تختبيء وراء ثغرات القوانين وتتوشح نفاقا بحقوق الانسان؟ وهل الامل بالصلاح ونيل الحرية واحترام حقوق الانسان يبدا بالديمقراطية كشعار فقط دون تغيير في البنية الهيكلية لمؤسسات البلد وبادارت جديدة تؤمن بالتغيير وتعمل على ترسيخ ثقافة الحرية والديمقراطية؟ هل هناك معنى للديمقراطية بدون تغيير البرامج والقوانين التي تنظم حياة المواطن وتصون كرامته وتحفظ حقوقه وتمنع امتهانه؟ ان اهم اسباب الفشل الديمقراطي في مجتمعاتنا الشرقية هي الازدواجية الفكرية المتجذرة كثقافة اجتماعية. حيث ان اسباب هذه الازواجية كثيرة ونتائجها السلبية كثيرة ايضا وهي سبب اساسي في العدوانية والصراعات الدموية التي لم تنقطع منذ قرون طويلة وهي التي تدفع مجتمعاتنا نحو التغيير القيمي والاخلاقي المستمر مع استمرار تقديس العنف كثقافة تعامل وتسلط ونتائج هذه الثقافة تبرز كواقع حال اجتماعي صعب ومؤلم. ان الماسي كان لها تكررات كثيرة في الحقبات الزمنية المختلفة من تاريخ العراق خلال قرونه الاخيرة حيث انها كانت تستنسخ صورة الالم والصراع الدموي وتعيد تكرارها ولكن بمتغيرات واحداث ووجوه جديدة. ان سمة غالبية الناس هي نسيانهم احداث الماضي ورجالاته ورموزه خصوصا بظل الغياب التام لثقافة التوثيق والاعلام الوطني النزيه وتسارع الاحداث والتقلبات التي تظهر صور جديدة وكثيرة ومتتابعة مما يؤدي الى اهمال كبير لدروس الماضي تحت مظلة الالم المستمر والذي يؤدي الى نكران دور العقل في استذكار التقلب من الم الى الم. هنا يمكن القول بانه لا معنى للاستقرار المجتمعي في ظل استمرار و تكرار العنف الدموي والماسي والالام  ، ان اللاستقرار في مجتمعنا لا يمكن ان نصفه بانه ظرف استثنائي وانما هو واقع حال مستمر.

 ان الازدواجية في سلوكية الانسان ناتجة عن عيوب اجتماعية يجب الاعتراف بها اولا قبل طرح اي افكار وبرامج تربوية لمعالجتها. واي سياسي يقفز بكلامه على هذه الحقيقة انما يدفع البلاد باتجاه تفاقم الازمات وهنا يكون السياسي جزء من المشاكل المتنامية والمتعاظمة وليس جزء من حلها. لذا يجب الاعتراف بالاخطاء والعيوب الاجتماعية والاعتراف بالاختلافات والبحث عن اسبابها وتجنب الكذب الاعلامي واخفاء الحقائق الذي غالبا ما يعمق عناصر الفرقة والخلاف بعيدا عن دائرة الحل. ان بداية حل اي معضلة ومشكلة هو الاعتراف بها اولا ثم تحديد حجمها والبحث عن اسبابها لغرض وضع برنامج واقعي وعملي لمعالجتها. ان العصبية القبلية وتجذرها في فكر الانسان الشرقي وعدم تنظيم الاسرة والازمات الاقتصادية هي من اهم اسباب نشوء الصراع بين المكونات الاجتماعية والعرقية والدينية والطائفية المختلفة في المجتمع العراقي وهي سبب اساسي في نشوء ازدواجية فكرية وسلوكية حيث التناقض بين احترام سلطة القانون والنظام والمثل العليا وما بين حب الحياة والاعتداء والتنافس من اجل ذلك (وفق شريعة البقاء للاقوى تحت وطئة الازمات التي لا تنتهي وهذا ما شار اليه الدكتور علي الوردي في اغلب طروحاته) وهذه الازدواجية تميل الى خلق عدم الاستقرار النفسي بين ضدين صعب ان يتفقا الا في ظروف اقتصادية جيدة ومستقرة تدفع بالانسان الى احترام حقوق اخيه الانسان.

 ان الفوضى واللانظام المستمر والاضطراب وعدم الاستقرار الاقتصادي هو ما يثقل كاهل القوى التي تعمل من اجل الاصلاح والتطور والنمو والازدهار في الكثير من بلدان الشرق الاوسط حيث تبقى بلدانهم عاجزة عن تلبية احتياجات الانسان امام النمو السكاني الكبير والذي يؤدي الى خلق ازمات جديدة تتعاظم مع الزمن. لذا تفشل اي خطة تنموية في معالجة احتياجات الانسان ويستعاض عن الخطط الاستراتيجة بالارتجالية السلطوية والتي ترسخ مفهوم الدكتاتورية وفكر الاستحواذ القهري على السلطة. الدكتاتورية هنا ستولد الكره الشعبي المستمر لمنظومة الحكم ورجالاتها ويؤدي ذلك الى الهشاشة الكبيرة في مفهوم التوحد الوطني. ان احتياجات الانسان الاساسية سيصعب توفيرها مع الزمن (الامكانات تتناقص مع الزمن) لذا سيعيش الانسان حنينا شديدا للماضي الاكثر رفاهية وبساطة وغالبا ما يطلق الانسان العراقي كلمات فيها حنين للماضي. ان اغلب بلدان العالم المتحضر تتقدم في كل يوم وتحقق رفاهيات متزايدة لمواطنيها الذين يتطلعون برؤية متفائلة جدا للمستقبل اضافة الى ان هذه البلدان تعمل على تصدير ازماتها الاقتصادية وتصدر التلوث والنفايات الصناعية السامة والخطرة الى بلدن العالم الفقيرة. ان هذا التناقض بين دول العالم المتحضر ودول العالم الفقيرة بحاجة الى تاملات ومحاولات جادة من قبل المفكرين الوطنيين في بلدان العالم الثالث وخصوصا الفقيرة لغرض وضع اسس تربوية لثقافة اجتماعية جديدة يتم الاعداد لها لترسيخ مفاهيم التحرر من كل انواع التبعية بعيدا عن استهلاك القيم الانسانية وخرق قوانين حقوق الانسان لصالح استمرار الحياة بتراجع وذل على مختلف الاصعدة المادية والمعنوية.

 ان الازمات وفقدان الخدمات والافتقار الى الاساسيات يؤدي الى نشوء مافيات وعصابات الجريمة التي تغتصب الامال وتعمل على اذلال الانسان لتكون مراكز قوة (تسلط) يخشاها المجتمع (هنا قد تكون هذه القوى عبارة عن قوى دينية اوعشائرية او حزبية او مناطقية او طبقية) وهذه المافيات سيكون لها دور وتاثير قوي في تحديد ملامح السياسة الداخلية والخارجية للبلد. ان الحكومة وفق القانون تريد من المواطن ان يساعدها ويفضح مثل هذه المافيات والعصابات ، وبما ان غالبية المواطنين بسطاء ولا توجد قوة امنية حكومية نزيهة وشجاعة كافية لحمايتهم فانهم يضطرون لتجنب المغامرة ولا يعطوا اي مساعدة للسلطة ولا يساعدوا ابدا في كشف المجرمين ولا يتقدموا باي مبادرة شجاعة لحل اهم المشاكل التي تواجه البلد الا وهي نهب ثرواته وكسر القوانين والانظمة وعدم احترام حقوق الانسان من قبل العصابات والمتنفذين (سلطة الشارع) في الدولة. ان توفر القليل من الحرية والديمقراطية للمواطن فانه سيجعله ينفجر بكل غضبه اتجاه الحكومة العاجزة المتفرجة متجنبا المساس بسلطة الشارع (التي تتحكم بالشارع وتظلم الناس البسطاء وتقسو عليهم). ان هذه الازمات وتداعياتها على الفرد ستجعله يعيش تناقضات وصراعات كبيرة تتؤسس وترسخ نوعا اخر من الازدواجية في عصر الديمقراطية المشوهة ولتصبح الاخلاق والتعاليم السامية والنبيلة في جانب والواقع الاجتماعي الذي يعيشه الانسان في جانب اخر ، هذا ما يمكن اعتباره النقطة الجوهرية للفشل الديمقراطي في مجتمعاتنا الشرقية. حيث يصبح الانسان فعالا فقط في الانتقاد الهدام وفاشلا في الانتقاد البناء وعاجزا عن العمل الايجابي واغلب النقاشات في حلقات النقاش المجتمعي في امور البلد تكون عبارة عن ثرثرة فارغة لا معنى لها ولا يرجى منها شي ولا يتبلور عنها راي فعال ممكن ان يمهد للاستقرار كما انها لا تهدف الى وضع حلول ناجعة وفعالة لانقاذ البلد من الانهيار. ان عامل الخوف يجعل الانسان يبدي تناقضات في سلوكه وكلامه وفعله حيث ان الانسان الشرقي البسيط لكي يحافظ على حياته مع شيء بسيط مما يمكن ان يناله من مكاسب سوف يخضع ويخنع ويصبر ويسكت ويداهن كثيرا، لانه اذا لم يفعل ذلك فانه سيعاني الاسوء وهو فقدانه كل مقومات تواصله بالحياة وبالنتيجة سيكون هو الخاسر الاكبر من التزامه بالمثاليات والقوانين العاجزة عن حمايته. هنا الانسان لا يفكر بالربح وانما يفكر بتقليل الخسائر لان الحكومة وسلطتها عاجزة فعلا عن القيام بواجباتها اتجاه الموطن حيث انها لا تستطيع ان تحمي المواطنين البسطاء من ظلم وجور المارقين والمفسدين الحكومين وغير الحكوميين. وما بين هذا التخبط كله سيتولد الرفض المستمر للسلطة العاجزة وبنفس الوقت سيزداد ويتعاظم الفساد في هيكلية بناء الدولة لتصبح دولة عصابات ومافيات ستسيطر على الشارع امام عجز حقيقي في التغيير باعتماد الانتخابات بالدورات الانتخابية المتلاحقة لعدم وجود نمو حقيقي لقوى الاصلاح الوطنية النزيهة. ان الديمقراطية في مثل هذه الظروف ستكون عبارة عن هيكل خاوي فارغ لا معنى له.

ان الانتخابات بظل الفوضى وعدم وضوحية الرؤية وضياع الحقائق والخوف وعدم الثقة سترجح كفة تسلق الانتهازيين وهذا ما حصل في عراق ما بعد سقوط الصنم  وسيحصل في اغلب بلدان الشرق الاوسط الجديدة في عصر ما يسمى بالربيع العربي تحت السيطرة والتوجيه الامريكي المباشر وغير المباشر. ان الجهل والقوى الفوضوية سيتمخض عنها ولادة ديمقراطية عاجزة وفاشلة لانها بدون اسس صحيحة وسليمة (نظرية الفوضى الخلاقة الامريكية: يتم استغلال الفوضى وخلق الازمات لتحرق كل اوراق الوطنيين المخلصين وترجح صعود الانتهازيين تحت الرعاية الامريكية الخفية). لذا يجب دراسة تاريخ الازمات ومسبباتها والعمل لتاسيس ثقافة مجتمعية جديدة تقدس الانتماء الوطني وتعمل على تنظيم الحياة والتواصل الاجتماعي في البلاد واصدار قوانين تنظيم الاسرة وترسيخ مفهوم التطور والتغيير في كل مؤسسات البلد الديمقراطية ورفض كل استنساخ دكتاتوري جديد صغيرا كان ام كبير. وتفعيل دور مؤسسات الرقابة المجتمعية (النقابات والاتحادات والروابط المنتخبة) لتكون كبرلمانات تعمل على تصحيح مسار عمل المؤسسات الحكومية وتحارب الفاسد فيها. والنظر بموضوعية الى كيفية التعامل مع  امريكا كقدر لا يمكن تجنبه ويجب ان يكون ذلك لمصلحة الشعب ولاجل حماية الحقوق الوطنية وتجنب الوقوع في الازمات التي تؤدي الى انهيار الامن المجتمعي وتسهل تسلق الانتهازيين الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية على حساب الوطن.

التعليق