عاجل:
مقالات 2009-06-30 03:00 671 0

لا عرس من دون انسحاب سياسي

وصف دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، عملية الانسحاب الأمريكي من المدن العراقية إلى المنشآت العسكرية المخصصة لتلك

وصف دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، عملية الانسحاب الأمريكي من المدن العراقية إلى المنشآت العسكرية المخصصة لتلك القوات في الأراضي العراقية الأخرى المجاورة للمدن، بأنها عرس عراقي، وانجاز كبير يُسجل لحكومة الوحدة الوطنية.وعلى الرغم من ان المشهد العراقي يفتقر إلى الأعراس السياسية والأمنية الكبيرة فيه، على اعتبار ان الغالب الاعم هي (الفواتح) مجالس العزاء داخل أزقة المدن ونواحيها، أو داخل الأروقة السياسية المظلمة، يبقى وصف (العرس) بالمعنى الأدق، مبالغ فيه.. ذلك لان الوجود الأمريكي في العراق لا يقتصر على الثكنة العسكرية فقط، وإنما على الوجود السياسي المبطن داخل مفاصل العملية السياسية في العراق.. الحقيقية التي لا يريد ساستنا الاعتراف بها، هي حقيقة التدخل السياسي الأمريكي لمصادر القرار العراقي والإرادة الوطنية في حل جميع الاشكالات بين الفرقاء، والتي أساسها المكر الأمريكي في إبقاء تلك الملفات عالقة حتى بعد الخروج العسكري (الجزئي) من العراق.

 فالإشارات التي تعطيها الإدارة الأمريكية داخل المنظومة السياسية العراقية، ولاسيما لاجندتها الخاصة، ولحلفائها في الخارج، هي إحدى مصاديق ذلك الاحتلال السياسي للقرار الوطني في البلد، فهي - أي أمريكا- لا تعول على الخيار العسكري دائما، بقدر اهتمامها في توفير مقومات الهيمنة السياسية على شعوب المنطقة.. يقول المفكر السياسي الأمريكي بريجنسكي في وصاياه لقادة بلاده في العراق:( تحتاج السياسة الأمريكية في العراق إلى تقويم استراتيجي شامل.. فالعلاج ينبغي أن يكون دوليا في طبيعته، سياسيا أكثر مما هو عسكري في جوهره، وإقليمي أكثر من كونه مجرد عراقي في الإطار).. إذن، فالانسحاب الأمريكي إن لم يصاحبه انسحابا سياسيا من مقرات الأحزاب السياسية في البلد، وترك الملفات العراقية تحل من وجهة نظر عراقية مئة بالمئة، فضلا عن إجبار حلفاء أمريكا في المنطقة من مساعدة الحكومة العراقية، وغلق الأبواب وتضييق الممرات على الإرهاب المصدر من دول الجوار.. فلن يكون هناك عرس حقيقي في البلد، ويبقى الافصاح عن ذلك لا يتعدى المظاهر الإعلامية الخلابة ، التي تعد جزءا من التلميع الأمريكي لمشروعها في الشرق الأوسط. لقد لخص السفير الأمريكي في العراق كريستوفر هيل من خلال مقابلة له مع النيويورك تايمز، شروط نجاح مهمة انسحاب قوات بلاده في جملة واحدة وهي:( مفتاح القضية هو ضمان انسحاب ناجح من قبل الجيش بالنسبة للمدنيين والتأكد أن العراقيين ينظرون إلى ذلك ليس على انه تراجع في تأثير أو في مصلحة أميركا، وإنما مجرد تغيير بسيط في الطريقة التي نقدم بها أنفسنا في هذا البلد)..

بعض قد يجد أن بقاء أمريكا سياسيا في البلد هو ضمانة حقيقية لمنع اندلاع الحرب الأهلية مجددا، ناهيك عن المطالبة بتمديد الانسحاب إلى أجل غير معلوم، لحين إنهاء الأزمات الداخلية، والوصول إلى رؤية جامعة لطبيعة الحكم في البلد، وهذا بحده ما أعلن عنه الناطق الرسمي باسم جبهة التوافق النائب سليم الجبوري، حين سُئل عن رأي كتلته بالانسحاب الأمريكي، فقال:( الانسحاب سيولد أعباء كبيرة على الحكومة لن تستطيع حملها). ولعل إشارته تلك تتعلق بعمليات القتل التي ما زالت لم تتوقف، وان البلد لم يصل إلى حالة الاستقرار الأمني، وان العراقيين مازالوا غير متوحدين على شكل الحكومة الحالية وطبيعة الحكومة المقبلة. ولكن من وراء ترك تلك القضايا معلقة من دون حل..

هل بقاء الوجود الأمريكي سيحل تلك المعضلات أو ان التواجد السياسي وعملية الضغط الاحادي الذي تمارسه السفارة الأمريكية هي الحل الأمثل؟.. كل ما نعانيه وسنبقى نئن منه، هو ابقاء النزيف الداخلي بيننا، من دون أن نتفق على كيفية ايقافه، وتضميد الجراح، والاجماع على تحديد مكامن الخطر الذي يهدد الوحدة الوطنية للبلد، فحالة الانشطار السياسي والتفكك الداخلي لن تحقق لنا غير التشظي، وانصهار الهوية العراقية، وما شهدناه من سجال سياسي بخصوص إعادة البعث إلى العملية السياسية، والدفع باتجاه ان تكون الحكومة من خارج الائتلاف العراقي، وان يشترط على الحاكم المقبل ان لا يكون إسلاميا.. كل هذا وغيره الكثير هو ما تتجه الإدارة الأمريكية إلى فرضه من خلال مدة الانسحاب الجزئي من البلاد، وفي حالة عدم توافر ذلك أو تحققه على وفق النظرية الأمريكية، فإن التحكم بمقاليد العنف، وإشعال فتيل الحرب الأهلية لهو أسهل بكثير على الأمريكيين من استخدام مدفعية (ابرامز) في تحقيق الاهداف والنيل منها.

التعليق

آخر الاخبار