عاجل:
مقالات 2010-01-26 03:00 630 0

عصر الشعر الثوري انتهى .. عصر الرواية بدأ

هل مات الشعر الثوري فعلاً ؟، هل ماتت قصائد الثوريين العرب على أرصفة التسكع بعدما أصبحت بضاعة كاسدة لايتبضعها

هل مات الشعر الثوري  فعلاً ؟، هل ماتت قصائد الثوريين العرب على أرصفة التسكع بعدما أصبحت بضاعة كاسدة لايتبضعها العربي ويأبى ان يسمع منها بيتاً واحداً في ظل ثورة معلوماتية عارمة وسيل جارف من الحقائق الذي لم يعد بإمكان السلطة الحد من انتشارهِا ولم يعد بإمكان القصيدة الثورية ان تلهب المشاعر ، لكنها(أي تلك القصائد) ظلت لصيقة البلاطات والمهرجانات الرسمية،ذات الصيغة   الرنانة الفارغة من أي مضمون او هدف إلا هدف التطبيل والتمجيد والتزويق ، انه ملف مفتوح للنقاش ولتبادل الآراء ولكنني اعتقد ان امة مثل امتنا خاضت من الصراعات على طول قرن مضى ما يكفي كل كتاب العالم وأدبائه ليكتبوا طوال قرن أخر جديد عن تلك الصراعات والأزمات ، هذه الأمة التي ابتليت منذ عصور الخلافات ما بعد الرسول(ص) (باستثناءات قليله)  ، بإمراض وفتن ومرت عليها مآسي كبيرة تمخضت في بداية قرن السابق  حين كان الرجل العجوز يلفظ أنفاسه مترنحاً تحت ضربات  القوى الجديدة بعدما أطبق بروحهِ الجاهلة على أنفاس امتنا قروناً ملئها بؤساً وجهلاً وخرافة ، لتبدأ الأمة عصر أخر من الصراع ولكنه اقل ظلامية من سابقيه ، ولكن المحتلين الجدد أرادوا نشر قيم الاستسلام ان كانت له قيم أصلا في صفوف أبناء الأمة ، وأطبقوا عليها من  جديد وشعار التحرير والتنوير هو الأبرز لتلك الحملات  ، وما ان أرادوا الرحيل باختيارهم او مجبرين تحت ضغط الرفض الشعبي العارم ،  حتى تركوا ارثهم العفن من تيارات ابتليت بها الأمة وعاشت معها صراع أخر لايقل مرارة وألماً  ، ومرحلة الأربعينات والخمسينات وحتى منتصف الستينات كان عصر الأحلام العربية  الثورية في انبعاث منقذ الأمة القومي الذي سينفخ في صور حضارة العرب ليبعثها حية متجددة ، وبذا فقد كان عصر الشعر الثوري وحماسته التي ألهبت الأمة ورسمت لها جنة عدن بين  أكوام الدمار والمأساة  التي خلفها المحتلون ، وجعلت العربي الذي يعاني من الجهل والفقر والتخلف والمرض وأزمات الاحتلال  المتوالية يتصور انه ما ان يمد يده حتى يمسك بقرص الشمس ، وساهم الإعلام العربي الرسمي في  ترسيخ  هذه الأحلام في ذهنية المواطن العربي المغلوب على أمره ِ الباحث عن ضوء في نهاية نفقه المظلم  الطويل  ، ومنَ القدر بقادة قوميين امسكوا بزمام أمور العرب ليحققوا لهم  نهضتهم  الموعودة،وصور الإعلام العربي الرسمي ان امة العرب لا تقهر على يد هولاء القادة الأفذاذ الذين سيخلصون الأمة وينقلوها الى مصاف دول العالم المتحضرة ، ولذا فقد كان  صوت  الشعر العربي عاليا يصم الإسماع ويغيب لغة العقل والمنطق ، وما ان يلقي شاعر ثوري  قصيدة ما يلهب فيها عواطف الفقراء والجياع والمحرومين والمخدوعين حتى يظن العربي انه قادر ان يبصق على دويلة الكيان الصهيوني ليمحيها عن الوجود  !!! ورغم ان الشعرية العربية لا يختلف احد على حضورها وقوتها إلا ما يؤخذ على تلك الشعرية إسهامها المتواصل في صناعة وتسويق الطغاة و ترويج عبادة الفرد وتلميع صور الحاكم الملهم والمنقذ على طول خارطة هذا الشعر العربي ، الشعر الذي يناصر القوي حتى ولو كان ظالماً ويلعن المظلوم ويبرر لظالميه  ظلمهم ِ ، وما ان اصطدمت شعارات القوميين العرب بأول ِ جدار المواجهة حتى بانت العورة وانكشف الزيغ ، ليهزم ذلك الكيان كل جيوش العرب في سويعات ،أنها المحنة حقاً ، أيعقل هذا ؟، دويلة صغيرة وكيان لقيط يهزم جيوش امة عريقة  ويحتل أراضي شاسعة ، أنها المحنة حقاً ،للشعوب وللحكام على حد سواء .
 وهنا وعلى وقعِ اثأر الهزيمة التي هربنا منها لنسميها "نكسة " ، أفاق المواطن العربي  من سباتهِ ليكتشف انه كان يحلم فحسب ، وان كل ماقيل محض افتراءات وتصورات لاتصمد إمام الحقيقة المرة !! ، وانخفض دوي الشعراء  المطبلين والى الأبد ، ليبدأ الإعلام العربي الرسمي مهمتهُ بتصدير الهزيمة وتزويقها لغوياً لتكون الصورة اقل بشاعة ليس خوفاً على مشاعر المواطن العربي بالتأكيد ولكن خوفاً على العروش والكروش .! ، حينها فقط أدرك الإنسان العربي مدى هشاشة وضحالة الوضع وهنا تأكدت الحقيقة ان شعارات القوة لم تكن سوى هواء في شبك ، ولم يكن الأسد الذي رسمتهُ القصائد الثورية إلا ورقياً ما ان  مسته النار  حتى تحول الى رماد  ، وبدلاً من ان  نعترف بشجاعة ونسعى لنستجمع قوانا صرنا نضع الرؤوس في التراب كالنعامة  ، ومن هنا كان الهم العربي يتضاعف والمأساة تتفاقم وتراجعت بوادر النهضة العربية ، تراجع المد الثقافي والمعرفي لصالح المد الشعاراتي الذي طغى على كل شيء  في الحياة العربية ،وبدلاً من ان  تصدر المؤسسة الثقافية فكراً نيراً للأمة كي تنهض بعد الكبوة ، بدأت تصدر الشعارات الفارغة  ، وانقسم المثقفون  العرب الى اتجاهين لا ثالث لهما اتجاه ارتبط بالسلطة وبدأ يصدر شعاراتها ويزوق فشلها ويبرر قمعها للحرية  ويقبض ثمن ما يقول او يكتب أمولا او حتى  بغية اتقاء أنياب السلطة لا غير ، واتجاه همه ُ كيف يهرب من وطنهِ نحو الغرب ليعيش برفاهية وينعم بحرية لايجدها في وطنهِ  ويبدأ سبهَ وشتمهِ للوضع العربي من هناك  ..!، ورغم ان حلم اغلب الشباب العربي المثقف او لنقل المتعلم ظل  الهجرة الى الغرب ، ولكن الأهم ان صوت الشعر الشعاراتي الثوري قد انخفض كثيراًً ، وبرز جيل خطر من الأدباء الشباب العرب جيل كان يتلمس الهم ويكتوي بنار الهزيمة ومرارة الوضع العربي القائم  في انقسام قاتل ،  و يحس بخطورة  التشضي المأساوي  للهوية العربية ، وعدم قدرة الثقافة العربية الراهنة  على مواجهة تحديات المرحلة ، وعدم قدرتها على استثمار الواقع لتصنع روح المواجهة وتفجر روح الإبداع لدى العربي وتمنحهُ شعوراً بأنه مازال قادراً على التواصل وصناعة الغد الأفضل  ، بدلاً من ان  يكون هم الكثير من المثقفين تحطيم الروح المعنوية وروح التجديد وهم يعيشون في دول الغرب او اؤلئك السلطويين الذين ما فتئوا يصدرون شعاراتهم التي سئمناها  ، ان جيل الروائيين الشباب جيل واعد ومهم وكتبوا روايات تدون الإحداث وترصد مواطن الضعف والخلل وتواجه الانكسار بروح الأمل، جاءت الرواية العربية الحديثة كوثيقة إدانة  لتناقش سليبات مجتمعاتنا العربية ولتفضح الزيف والخداع السياسي والفساد الذي أصاب مفاصل حياتنا، ان ما تقدمه الرواية اليوم هو صورة لمجتمعات راكدة وتعيش في ظل إطلال أحلام منكسرة ومتلاشية  ، وتساهم هذه الروايات  في تحريك العقل العربي نحو مناطق الخلل في محاولة لإصلاح ما يمكن و تقدم أدانه واضحة لكل من ساهم بقصد او بغيره في تردي الأوضاع العربية ، ولتحاكم هذه الرواية أسلوب تعاطينا مع قضايانا الهامة ، وعدم مبالتنا بمستقبلنا ونحن نتعرض الى غزو ثقافي قد يمحي هويتنا ويمسخ هوية  أجيال قادمة ، لستُ روائياً او صاحب مشروع روائي لأروج للرواية ، ولستُ ممن يعممون الحديث أبداً ، وقصدتُ بعض الإعمال الروائية  فقط،  ولكنني أؤمن بان عصر الشعر الثوري قد انتهى وولى الى  الأبد وان عصر الرواية التي تسرد الواقع وتراجع أجزاء مهمة من فصول واقعنا وماضينا قد بدأ ، وقد اكون مخطئاً لان كل رأي يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب.  

التعليق