عاجل:
مقالات 2009-05-18 03:00 624 0

عزالدين سليم في ذكرى رحيله الخامسة

مرت سنوات والعراق يتارجح بين ظروفه العسيرة وتقلبات ازمانه العاصفة وبين امال الخروج الى بر الامان عبر التصالح مع الذات

مرت سنوات والعراق يتارجح بين ظروفه العسيرة وتقلبات ازمانه العاصفة وبين امال الخروج الى بر الامان عبر التصالح مع الذات وتوفير متطلبات الاستقرار والسلام،بين الاثنين اختبر رجال كثيرون انفسهم قبل ان تختبرهم الناس من خلال الاندفاع الى سطح الواقع السياسي الجديد ،فقد سعى كثيرون عبر المقامرة وانتهاز الفرص والاختراق والصدف ،الى دخول عالم السياسة والعمل السياسي مشمرين عن سواعدهم، لكن الذين نجحوا منهم قليلون بالطبع.
فاذا كان البعض يتوفر على موهبة  الكلام واخرين على قدرة المناورة واجادة التحالفات،وصنف ثالث اعتمد علىدوائر نافذة سياسيا واجتماعيا،فان المشهد السياسي العراقي ظل يفتقد الشخصيات ذات الحضور الاجتماعي والفكري والسياسي ،شخصيات تدخل في ضمير الناس بمؤهلات وملكات حقيقية غير مزيفة،ولديها القدرات الذاتية على اصطناع الحلول  والتنبؤ بمالات الاوضاع والتحسب للاخطار قبل ولادتها.
في 17 ايار2004 رحل عزالدين سليم الى بارئه مع رفيقه طالب العامري في انفجار انتحاري دبرته الة الارهاب القاعدية
ليستيقظ الناس على وقع الصدمة،فقد نجحت القاعدة وحلفائها في قتل رئيس مجلس الحكم ولم يمض على عمله في الرئاسة اسبوعان،وكان حدث الموت كافيا لتسليط الضوء علىاهمية الشخص الراحل اذ لم تتسلط عليه الاضواء ابان عشرة اشهر من عمل المجلس العتيد لعدم رغبة الرجل في العمل تحت الاضواء الكاشفة ولان شخصيته المتواضعة وتقديره للتحديات تجعله غير منسجم مع اندفاعات البهرجة الاعلامية واصطناع النجومية التي يحرص عليها غيره بعد الرحيل اكتشف شيعة وسنة كثيرون ممن لم يتعرفوا على الرجل الامن خلال ادبيات التابين والشرح عن خصوصيات الراحل، ان العراق فقد  شخصية  من الطراز الذي يحتاجه  لايامه المتازمة، وان اغتيال الرجل كان نجاحا حقيقيا لمخططي تفجير العراق وتدميره،فمن نظاراته السميكة كانت تنطلق النظرات الهادئة  التي تنبات مبكرا بحجم الخطر الذي احدق بالعراق وكان يتحدث بافكار وخطط ومشاريع يشعر بضرورتها لقطع الطريق على مشاريع التفجير الطائفي والتفتيت السياسي ، كان حريصا على صياغة خطاب سياسي عقلاني يحسب حسابات دقيقة لمصالح  وتطلعات المكونات العراقية  ويقطع الطريق على دعاة التازيم وشطحات المنتشين بالوضع الجديد  فكان يبدي المه من سطحية الكثير من زملائه  وخطا الكثير من الشعارات وتسافل الكثير من التصرفات والسلوكيات التي عبرت عن قصر نظر شديد وتهور  في حساب الكلف الحقيقية لنتائجها.
في فندق صغير في مدينة الكاظمية ولم يمض  على تشكيل مجلس الحكم سوى اسبوع واحد-  وكان عائدا من اجتماع في بيت السيد محمد بحر العلوم بمعية الشيخ  عبد الكريم المحمداوي،سالته  كيف يفكر اعضاء مجلس الحكم ،فابدى عدم رضاه الذي كان يغلفه باسلوبه الساخر اللذيذ ونكته التلقائية،قال :اذا استمر الوضع على هذه الشاكلة لااستبعد ان تسوء الاوضاع كثيرا، فتفاجئنا  من حديثه وكانت بغداد يومها هادئة  الا من اعمال اللصوصية  ورشقات البنادق الالية التي سمعناها ليلا
 وتبين انها تعبير عن الفرح بمقتل ابني صدام عدي وقصي في الموصل،سالته عن تركيبة مجلس الحكم وعن بعض الاسماء من اعضائه فشكا من طائفية البعض الطافحة واردف  متخوفا من تصاعد الخلاف الطائفي  كرد فعل  لم يقدره من يتحدث بصوت عال دون مراعاة لحساسيات الاخر ومخاوفه المقترنة بخسارة السلطة والخشية من الانتقام،كان حديثه مغايرا للموجة السائدة حينها ،فالرجل يتحدث بعقلية المحيط بتارخ العراق وجغرافيته وصعوبات ادارته ،وكان المامه السياسي ومعرفته بالخريطة السكانية العراقية يجعلانه  في حذر شديد  مما كان يطرح في حينها حول شكل الحكم  ودرجة مساهمة المكونات العراقية في مكونات السلطة حتى لاترتفع عقيرة احد بالمخاوف والمظلومية وتتكرر  الماساة العراقية،في جواب على سوآلي  ونحن على مائدة العشاء تحت اضواء الشموع الخافتة عن سبب ترك الحدود سائبة مفتوحة ، وقد شرحت له رحلتنا من الاردن عبر السيارة الى بغداد فقال : ومن قال لك ان الامريكيين لايريدون ان تبقى  الحدود مفتوحة  ففهمت منه قلقه العميق من المخططات الامريكية في العراق لاسيما مشروع مصيدة الفئران الذي خطط له الامريكان لتسهيل دخول افراد القاعدة الى العراق  بزعم القضاء عليهم لاحقا.
في اثناء المفاوضات لتشكيل اول وزارة في ظل الاحتلال عارض (ابو ياسين) ان تسند وزارة الداخلية الى مرشح الاسلاميين الشيعة وكان يعلل  موقفه بانه لايريد ان تتلطخ سمعة الاسلاميين لانهم لن يحققوا شيئا في هذه الظروف  التي تحتاج الى مواصفات خاصة بشخص وزير الداخلية ومن الاسلم  ان ياتي وزير الداخلية من خارج صفوفهم  حتى لاتحسب  النتائج السلبية المتوقعة  على سمعتهم. وعندما وصلت المفاوضات الى نهايتها  حول قانون ادارة الدولة الانتقالي واعلن عن يوم التوقيع بعد انتظار وقلق وتركيز اعلامي شديد فوجئ الجميع بان بعض اعظاء مجلس الحكم الشيعة تحفظوا في اللحظات الاخيرة لانهم سمعوا او اعلموا ان  السيد السيستاني يتحفظ على القانون بسبب بعض فقراته  التي تهدد حقوق الشعب وخياراته، وقد هرع الاعضاء الشيعة الى النجف الاشرف الا الحاج ابو ياسين الذي كان ممتعضا من هذا التصرف   ومعارضا له  لا لاانه لايريد اللقاء بالمرجعية والاستماع الى ملاحظاتها ولكن للايحاءات السلبية المترتبة عليه فاذا كان الشيعة يلجاؤون الى مرجعيتهم الدينية  في كل صغيرة وكبيرة، فمن هي مرجعية السنة العراقيين ؟ انها خارج الحدود عند بعض دول الجوار، فضلا عن مخاطر مثل هذا التصرف اعلاميا وسياسيا وكأن النظام السياسي تقوده المرجعيات الدينية  في وقت يحتاج الشيعة الى طمانة الاخرين وليس العكس بعدما اصبحوا يمثلون اكثرية اعضاء مجلس الحكم.
كل هذه المخاوف التي عبر عنها ابو ياسين جعلت الكثير من زملائه ورفاق دربه  غير مرتاحين من وجوده  معهم لانه يفكر خارج منظومتهم ، حتى اذا حانت   ساعة الترشيح لرئاسة مجلس الحكم  بعد انقضاء مدة الترتيب الابجدي ارتاى البعض اعطاء الفرصة لمن لم يرشح سابقا فدخل اسم صاحبنا مع اسم الشيخ غازي الياور  والاخرين ففاز ابو ياسين بثلاثة عشر صوتا  وكانت المفاجاة ان رفاق ابو ياسين الاسلاميين هم الذين عارضوا وسمع ابو ياسين بالامر وهو في الاردن فتالم من مواقف اصحابه لكنه لم يتفاجا منها وقد خبر الجميع واساليبهم في التفكيروهو الذي لم يسع الى منصب زهد فيه منذ البداية وكان نادما على دخول مجلس الحكم بعدماا نكشفت له الكثير من الخفايا لكن وقت التدارك قد فات.
في غمرة هذه الاحداث العاصفة حيث انفجرت ازمة الفلوجة والنجف مع مجيئ الاخضر الابراهيمي للترتيب لمرحلة الحكومة المؤقتة  لم يسعف ابو ياسين الوقت والحظ ليدلي بارائه مستفيدا من فرصة رئاسته للمجلس فعقد مؤتمرا صحفيا واحدا  وجه فيه نقدا لاذعا للامريكان وحاول التقليل قدر الممكن من مفاعيل التازم في النجف حيث كان يسعى البعض الى دفع الامريكان والصدريين الى التصادم العنيف للتخلص من قوة الصدريين مرة واحدة   فقال حينها ان مذكرة اعتقال زعيم الصدريين لايجب ان تكون بدفع سياسي بل ان على اولياء الدم ان يقيموا دعواهم  وعند ذاك فان القضاء ياخذ مجراه بشكل طبيعي.
  توجه بعدها الى اربيل لحظور مؤتمر عن الديمقراطية  والمصالحة في العراق  كما اجرى لقاءات مع الاخضر الابراهيمي جعلت الاخير ينبهر من سعة اطلاع الرجل على تاريخ ومجريات العراق السياسي الحديث والسبل الضرورية لانجاح ادارته السياسية وحل مشاكله ومعظلاته، مالبث بعدها ان يعود الى بغداد ليقضي في اليوم التالي في انفجار لئيم  افقد العراق احد اهم رموزنخبته السياسية والفكرية والاجتماعية ، وكان يخطط للعودة الى مركزه الذي اسسه في البصرة ليبدا سلسلة دراسات تاريخية واجتماعية عن العراق فقد كان يقول ان وظيفتي هي الكتابة والتاليف وتربية التلاميذ فانا معلم وساظل معلما، لكن مقتل العزيزين الحاج ابو ياسين ورفيقه الحاج العامري كشف زهد الاسلاميين ببعضهم البعض فقد ضن عليه البعض حتى بكلمات الرثاء  او في ادراج اسمه في عداد من يذكرونهم من شهداء العراق في المناسبات العراقية المختلفة والبيانات التي تند عن الحصر، وظلت ذكراه السنوية خافتة يتذكرها البعض على استحياء،  اما الدعوة الاسلامية التي قضى عمره فيها داعية وناشطا ومربيا وزعيما ومفكرا وسياسيا  ومؤلفا غزيرا فلاتتذكره لانها مشغولة عنه بماهو اهم وربما همس البعض  قائلا انها كانت قسمة عادلة فقد توفاه الله شهيدا على ايدي شرار خلقه وخلا الطريق من منافسين  بوزن عزالدين سليم دلت عليه اخلاقه وسمعته النظيفة ولم تختبره السلطة بغرورها. خسر العراق برحليه رجلا ثاقب البصر والرؤية بعيد النظر سليم التوقع خالي من العقد واسع الثقافة، فاحس اليتم برحيله قريبون منه وارتاح اخرون فسلام عليه وعلى العامري والشهداء بيوم فقدهم الاليم.

التعليق

آخر الاخبار