عاجل:
مقالات 2010-05-21 03:00 547 0

شهيد المحراب ... تأصيل الرؤية الاسلامية للعمل السياسي ( ألحلقة الاولى)

ونحن نعيش الذكرى السابعة لعودة شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس) الى ارض الوطن بعد

ونحن نعيش الذكرى السابعة لعودة شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس) الى ارض الوطن بعد سقوط النظام الصدامي يجدر بنا في هذه الذكرى استذكار مواقف هذا العلم والمعلم والعالم الكبير وما قدمه للمسيرة الفكرية والسياسية للعراق.
وربما الاشارة الى مواقف هذا الشهيد الذي اوقف نفسه من اجل الاسلام والوطن يتطلب مجالاً اوسع لا يمكن استيعابه في هذه المقالة نظراً لما قدمه من مواقف وتصورات كانت الحركة الاسلامية في العراق بحاجة اليها اكثر من أي وقت مضى بسبب التطورات والتحولات الكبيرة في العراق والمنطقة والتي كان لشهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس)الدور الابرز في بلورة الرؤية الاسلامية للعمل السياسي وهي رؤية مستمدة ومنتزعة من الفكر الاسلامي وسيرة اهل البيت (عليهم السلام).
ولعل شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس) كان من القلائل من مراجع الدين والفقهاء الذي اعطى رؤية اسلامية لضرورة العمل السياسي وقد سبقه في ذلك استاذه السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) الذي لم تتح له ظروف الواقع السياسي السلطوي من ابراز الفكر السياسي الاسلامي بسبب الاقامة الجبرية ومحاصرة السلطة الصدامية له واعتقاله ومن ثم اعدامه في التاسع من نيسان عام 1980 بينما استطاع شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس) بما وفرته ظروف الحركة والانتقال من السجن الى المهجر من بلورة الفكر السياسي والاستفادة من فكر الشهيد السعيد محمد باقر الصدر(قدس) بالاضافة الى ما كان يحمله من رؤية معمقة وموثقة للعمل الاسلامي مستنبطة من حركة اهل البيت (عليهم السلام).
وقد خالف شهيد المحراب (قدس سره) كل السياقات السائدة للفهم السياسي والممارسات الخاطئة للعاملين في هذا الحقل الخطير فان الفهم السائد بان السياسة تعني فن الممكن بكل امكاناته وفن المناورة والمرواغة وكسب وجذب المصالح والوصول الى الغايات دون الاهتمام بالوسائل كما يفكر ميكافيلي والتأكيد على حسابات الربح والخسارة مجردة عن اسلوب التغيير السياسي والاخلاقي للمجتمع ، هذا الفهم الخاطىء يخالف نظرية شهيد المحراب (قدس سره) في العمل السياسي التي يتبناها في مسيرته السياسية والفكرية.
وشهيد الحراب (قدس سره) كان يؤمن بالتغيير والوصول الى الاهداف الاسلامية وليس الوصول الى السلطة وتحقيق مصالحها وان كان ذلك ضرورياً ولكنه ليس على حساب الاهداف والمبادىء الاسلامية.
أن السياسة التي يُعتد بها شرعاً وفق نظرة شهيد المحراب (قدس سره) هي السياسة التابعة للشريعة، وأما السياسة المخالفة للشرع، وإن بدا لبعضهم أنها محققة لبعض المصالح، فهي ليست بسياسة على الحقيقة، وإن سُميت بذلك؛ فإن العبرة بالحقائق وليس بالأسماء؛ فإذا كان الاسم يخالف الحقيقة، فلا قيمة له ولا عبرة به وقد كان يؤكد باستمرار بان السياسة لا تحرم حلالاً او تحلل حراماً على الاطلاق وان المسار السياسي الذي انتهجه شهيد المحراب اية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم كان مساراً صعباً ومعقداً وكان لا يخلو من المزالق والمآزق ينحو باصحابه مسالك المهالك لو لم يترشد بفقيه مدرك بامور زمانه وملم بحيثيات المكان والحدث وقادر على التمييز بين المصالح والمفاسد وبين اقل المفسدتين واهم المنفعتين وهو ما توفر عند شهيد المحراب باعتباره فقيهاً من رؤية اجتهادية في المسائل السياسية والتي لا تتحقق إلا بتحصيل المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد ودرئها وتعطيلها.
الرؤية الاسلامية للعمل السياسي عند شهيد المحراب (قدس سره) ليست تصورات ذوقية واستحسانية وتحليلية مجردة وليست افكاراً ارتجالية فورية يفرضها الواقع السياسي بل رؤيته كانت منبعثة عن الرؤية الاسلامية الاصيلة التي تعتمد القواعد الاسلامية واركان الاستنباط سواء ما توفره له الادلة اللفظية من القران الكريم والسنة المطهرة كقاعدة " لا ضرر ولا ضرار" التي نصّ عليها حديث رسول الله (ص) او الادلة العقلية والمرجحات العقلية كقاعدة "حفظ النظام العام" و"احتمال أخف الضررين
أو "أهون الشرين" أو "تُدفع المفسدة العظمى باحتمال أدناهما" او " إذا اجتمعت المصلحة والمفسدة فالعمل على أرجحهما" او " تقديم الاهم على المهم" او "تقديم الاقل مفسدة على الاكثر" كما هو واضح في مبحث التزاحم في علم فقه الاصول عند الشيعة او فقه الاولويات عند السنة.
وهذا التميز في القدرة على استنباط الاحكام السياسية واحدة من اهم مزايا شهيد المحراب (قدس سره) فقد كان الفقه محصوراً في مجال الاستنباط في المجال العبادي وابتعاد الكثيرين عن الخوض في المسائل السياسية،لاسباب لا مجال لسردها هنا ولكن بشكل اجمالي نشير الى اهمها وهي حالة العداء المستحكم التي صبغت علاقة الشيعة بالأعم الاغلب من السلطات السياسية التي قامت على مر التاريخ الاسلامي، ووضعت علماء الدين وفقهاء الشيعة في موقع المدافع عن مواقع الحوزة العلمية والدافع للشبهات والاراجيف التي يثيرها اعداء الاسلام والمذهب وهو جهد كبير لا يمكن انكاره او التقليل من شأنه في حركة الحوزة العملية في النجف الاشرف.

التعليق