عاجل:
مقالات 2009-07-23 03:00 706 0

حرب وسجن ورحيل -29

كان ذلك الضيف المصري الجديد في العشرينات من العمر أسمر اللون أشعث الشعر عيناه لاتستقران على مكان تبدو على

كان ذلك الضيف المصري الجديد في العشرينات من العمر أسمر اللون أشعث الشعر عيناه لاتستقران على مكان تبدو على وجهه ملامح قاسية من ملامح الصعيديين . جلس القرفصاء بعد أن سقط على بعض الأجساد وسمع بعض الكلمات النابية من السجناء وكأنه لم يسمعها فالتقط أنفاسه وخلع قميصه ووضعه تحته وقد بانت على زنده بعض الرسوم ومنها وشم عقرب فعلق أحدهم وكان بالقرب منه ( ولكم ألحكولي راح أختنك هذا ريحته مثل ريحة الفطيسه )فأجابه آخر يمكن صارله سنه ماسابح ) وكان يقلب نظره ذات اليمين وذات الشمال وطلب شيئ من الماء فلبى طلبه أحدهم وناوله قدح من الماء ولم يسلم من جملة ( تشرب سم وزقنبوت ولكم منين أجيتونه صوغه وداكم أنور السادات للعراق ؟) ولم تمض ساعات حتى بادره أحدهم ( أحجي قضيتك يلله بسرعه كول ليش جابوك هنا ؟ )فأجابه أحدهم ( يبين عليه حرامي أكشر ) وهنا نطق ورد على الجواب ( وحياتك أنا مش حرامي أنا درويش جيت للعراق من شان آكل عيش ) فرد عليه سجين ( والله جذاب ماكو أحيل منكم من اتطيحون بيها اتسوون نفسكم أبرياء ودراويش واحدكم مثل العكربه يكرص ويضم راسه ) أجابه الآخر ( ماتشوف راسم عكربه على زنده ؟)وتحت ألحاح السجناء أدعى بأن أحدى النساء حاولت أن تغويه لكنه رفض فلفقت عليه تهمه أخلاقيه وجيئ به ألى هذا المكان وكانت القصة الحقيقية غير ذلك تماما بعد مرور عدة أيام وكان البعض من الشرطه يسربون العديد من الأخبار التي تتعلق بالموقوفين وقد تبين أن المصري المذكور هو صباغ دور وكلفه أحد الضباط بصبغ داره وأوصى أهله الذين يسكنون بالقرب من الدار التي كانت خاليه أن يراقبوا العمل ويسلموه المبلغ المتفق عليه حال أكمال العمل حسب المواصفات والشروط وكانت زوجته وولديه يسكنون مؤقتا عند أهله ريثما يكتمل صبغ الدار وفي أحد الأيام دخل أبن الضابط الدار وكان عمره ثمان سنوات وحالما وقع نظر المصري عليه جلبه ألى الداخل وأغلق أحدى الغرف وأغلق فمه واعتدى عليه جنسيا وهرب من الدار وبعد تفقد الأم لأبنها وجدته أخيرا في حالة غير طبيعية وهو يبكي وحكى لها عما فعله المصري به وفقدت الأم صوابها واتصلت بزوجها الذي يحارب على جبهات القتال برتبة عقيد فحضر الزوج فورا وأخبر السلطات المعنية بالخبر وطالبهم بالقبض عليه بأسرع وقت بعد فحص الطفل وتثبيت التهمه تم أخبار جميع مراكز الشرطه للقبض على الجاني وبدأت الشرطة بحملة مكثفة للقبض عليه وأخيرا تم ألقاء القبض عليه في أحدى قرى الرمادي وجلب مخفورا ألى مركز شرطة الكوت وبعد التحقيق معه انهار واعترف بالجريمه وهذه كانت قصته الحقيقيه وقد حاول الضابط قتله ولكن الشرطة منعته من ذلك وكانت تلك الجريمة التي ارتكبها ذلك الوحش من نتائج الحرب التي أدخلت مثل هذه الشرائح المنحرفة أخلاقيا ألى العراق حيث قام الكثير منهم بأعمال منحطة مخلة بالشرف مستغلين وجود معظم رجال العراق في جبهات الحرب لكن أجهزة دعاية النظام كانت تتستر على تلك الجرائم لأن هدف رأس النظام هو تعزيز جبهات القتال بالمزيد من الرجال غير آبه بما يرتكبه بعض المصريين من تصرفات مشينه بحق الشعب العراقي وبعد أيام نقل ذلك المصري ألى أحد السجون في بغداد ولم أعرف ماحل به وقيل فيما بعد أنه حكم بالأعدام
ومن القصص العجيبة الغريبة في ذلك السجن أن مراهقا قتل اثنين من الأطفال بحجة أن أبا الطفلين قتل عمه قبل سنين طويله وهو لم يولد بعد وعندما كبر أخبرته أمه بذلك وحرضه جماعة من أقربائه على قتل الطفلين وهما قد خرجا توا من المدرسه فتصدى للطفلين البريئين بسكين حادة كان يحملها لذلك الغرض وطعن الأول في رقبته ثم توجه للثاني وطعنه في رقبته أيضا وحولهما ألى جثتين هامدتين في الحال لأن أباهما قتل عمه منذ أكثر من خمسة عشر عاما والقاتل والمقتولين لم يخلقا بعد !!! وعندما كان يسأله السجناء لماذا قتلت الطفلين البريئين فكان يجيب ( شنو تردوني ماآخذ بثار عمي . اللي ينسه ثار عمه مو رجال . والله كل العشيره اليوم رفعت روسها بيه بس الخنيث اللي ماياخذ بثار عمه وآني مو خنيث !!!)
أما ذلك الشاب الأشقر الأنيق وبربطة العنق الحمراء فقد دخل مبهوتا وقد أثار فضول السجناء أيضا كالعاده فقد كانت قصته غريبة من الغرائب وعندما ألح عله السجناء بسرد قصته أطرق برأسه قليلا وقال بالحرف الواحد ( ياجماعه خلوني أعيش وحدي ويه قصتي اللي ماتشبهها قصه ) وهنا اشتد فضول الموقوفين وقالوا له نحن نبحث عن القصص الغريبة ونريد أن نسمع منك مباشرة وبعد برهة من الصمت قال ( ياجماعه آني لقيط وانحرفت تردون أكثر من هالصراحه ؟ ) فاستغرب السجناء من هذا الجواب وألحوا عليه أن كان صادقا أو كاذبا فأجابهم ( والله العظيم هاي هيه الحقيقه شتريدون بعد مني ؟ )ولكن السجناء لم يتركوه وحاله فطالبوه بحل اللغز وبدأ يسرد وقال عندما أحسست بالوجود وصار عمري سبع سنوات كان لي أبوان يعاملانني بكل قسوة وعنف وكان الشخص الذي يدعي أنه أبي يقول لي (ولك أبن المزبله تريد تتمرد علينه ؟) ورسخت الكلمة في ذهني ولم تفارقني وسمعت قصصا من الجيران بأن اللذين يدعيان أنهما والدي كانا يبحثان عن طفل للتبني نتيجة العقم الذي يعانيان منه فالتقطاني من مكان معين وكبرت وبلغت سن الرشد ودعيت ألى الخدمة العسكرية فهربت منها وانخرطت في عصابة للسرقة والتسليب وفي أحدى الليالي دخلت الدار وطعنت الوالدين طعنتين بسكين كنت أحملها كانتا كافيتان للقضاء عليهما وهما في الفراش وهربت وكنت والعصابة ننتقل ألى المحافظات وأحيانا نفترق ونلتقي وقبل يومين جئت ألى محافظة واسط للقيام بمهمة السرقه والسلب فنزلت في فندق رياض وهو فندق سياحي معروف في المدينه وطلبت غرفة خاصه وحينما دخلت ألى الغرفه ورميت هوياتي الخمس على السرير لمحني العامل المصري من خلف الباب وأخبر مدير الفندق بأن الشخص الذي جاء ليحل بالفندق مثير للشبهه فاتصل مدير الفندق بالشرطه وتم القبض على واعترفت بكل شيئ أمام حاكم التحقيق وهاأنني أمامكم فهل تريدون شيئا آخر مني ؟ وبعد عدة أيام سيق مخفورا بسيارة مغلقة ألى بغداد وانقطعت أخباره .
ومن القصص العجيبة أيضا والتي لايصدقها العقل أن أحد السجناء كان مدمنا على شرب الخمر وأثناء سجنه حرم منها لكنه ابتكر طريقة للتواصل معها وكما قال الشاعر العراقي الراحل حافظ جميل

أواصلها كما يسعى تقي
لمسجده صباحا أو مساءا
ولو عصر السقاة دمي ولحمي
لما وجدوا مع الصهباء ماءا


فكان ذلك السجين ذو الحظ العاثر يوصي زوجته بأن تجلب له في كل مواجهه رقية كبيرة تملؤها بالخمر بواسطة سرنجة زرق الأبر وكانت تنفذ له أمره خوفا منه وحال تناوله الرقية المخموره يذهب حالا ألى المرحاض ليمتص الرحيق ويشبع قليل من نهمه ولكن أمره لم يدم طويلا بعد انتشار رائحة الخمر فمنعت زوجته من جلب الرقي له منذ اليوم الذي افتضح فيه أمره وكانت تلك القصه موضع تندر السجناء وسخريتهم ولقبوه ب(أبو ركيه )رغم كل الظروف القاسية التي كانوا يعيشونها
أما كاكا سردار الشرطي الهارب من الخدمة فكان دائم الجلوس في الشباك وعندما كنت أقول له (كاكا أنته ماتعبت من الشباك فكان يجيبني كاكا هذا الشباك شيراتون بالنسبه ألي لأن أشوف منه بشر يرحون ويجون ويدخل منه الشمس أشلون مايصير شيراتون .؟) وقد كان يحكي لي أنه مكث في سجن لايعرف فيه الليل من النهار ولم تدخل أليه الشمس مطلقا وبعد سنتين من المكوث فيه أهترأت القشرة الخارجية لجلده ثم جيئ به ألى هنا وهو يحمد الله على النعمة التي هو فيها !!! هكذا كانت تقضي الأيام ثقيلة رتيبة وكان كل واحد من أولئك السجناء يحلم بأن يستيقظ صباحا ويسمع أن الحرب قد انتهت عسى أن تكون سببا في تحرره من ذلك القبو المليئ بالقصص المبكية المحزنة والمضحكة أيضا وبالروائح العفنة والديدان التي كانت تخرج من تلك الجدران المتهالكه التي كتب عليها السجناء السابقون العديد من الكلمات التي تدل على وجودهم فيها في يوم ما مضى وانقضى.

التعليق