عاجل:
مقالات 2011-09-26 03:00 563 0

بعد تفجيرات كربلاء كشوفات في المشهد الامني

يقع الامن في صدارة المعضلات التي ما زال يعان منها العراق ولم يلح بعد في الافق المنظور ما يشير الى تجاوز هذه المشكلة و

يقع الامن في صدارة المعضلات التي ما زال يعان منها العراق ولم يلح بعد في الافق المنظور ما يشير الى تجاوز هذه المشكلة ، وتعود الاستطالة الزمنية الثقيلة غير المحدودة لسوء الوضع الامني الى العوز الحسي والحرفي في المنظومة الامنية واصبح الان من الواضح عيانا ان التناسب بات عكسيا بين تورم الآلة الامنية الرسمية وبين تصاعد وتيرة الاختراقات الامنية كمّا ونوعا وهذا ما يقلق المواطنين ويساعد على تراجع ثقتهم بأجهزة الامن وعندئذ يفقد الفاعل الامني واحدا من اهم مصادر قوته ، بل ، يخسر بيئته الموثوق فيها وجزء هام من مصادر معلوماته ، ومن المؤكد ان الفارق كبير بين قدرات المنظومة الامنية الرسمية وبين قدرات العدو الخفيفة ، غير ان العدو يتفوق على المنظومة الرسمية بسرعة الوصول الى الهدف والتمتع بأقتناص افضل الفرص التي توفرها له اخفاقات الآلة الرسمية المتسربلة بثقلها الآلي وينتج عن ذلك خروقات كبيرة سرعان ما ينسحب العدو منها ((منتصرا)) وسالما فيما يتخلف الامن الرسمي في مكان المعركة مثقلا بحيرته وحرجه ويبرر ما حصل بما هو اقسى على الناس من ضربة العدو نفسها في وقت يستطيع فيه القائد الامني الميداني ان يتجنب الضربه لو انه بادر الى تفنيد مبررات الخرق الجاهزة والمكررة قبل حصول النكبة ، ولنأخذ خرق ((المدحتية)) في جنوب بابل انموذجا حيث يمكن تصور ذلك ذهنيا بكل بساطة بأن العدو قد استطلع الهدف اكثر من مرة بمصروف مالي زهيد قد لا يتعدى مقدار اجور وسائل النقل الاهلية وربما تناول وجبة سريعة ورخيصة في المطعم المستهدف ثم حدد ساعة التنفيذ وبذلك فقد تفوق العدو على القائد الميداني بحدة النظر وسرعة اكتشاف المفصل الضعيف والالمام بمحيط الهدف وبثمن بخس للغاية وبحصاد وفير من الارواح والدماء والممتلكات وكان على القائد الميداني ان يكون ذكيا ومبادرا الى درجة اجهاض مخطط العدو قبل شروعه بالتنفيذ مع ان القائد يمتلك المال الوفير والآلة الحديثة والتقنية المتطورة والعدد الكبير من الافراد ، واذا كان العدو متخفيا كونه يتلون بلون البيئة الاجتماعية فأنه في المقابل ليس صعبا على القائد الميداني من تنقيط المناطق الرخوة التي يجد فيها العدو ضالته خاصة وان القائد الميداني قد حدد المناطق الرخوة في معرض تبريراته للخرق الامني بعد وقوعه عبر وسائل الاعلام ، ويمكننا ان نأخذ انموذجا آخر وهو خرق منطقة ((النخيب)) في كربلاء حيث بدا واضحا ان العدو اكثر وعيا وتفهما للوضع السياسي من القادة الامنيين وكان خرق النخيب خرقا سياسيا بأمتياز وجاء متزامنا مع تصاعد خطير للخطاب الاعلامي التسقيطي بين السياسيين وارتفاع مستوى الصراع السياسي بين الكتل الى حد التهديد بأزاحة الآخر من العملية السياسية وجاء ذلك على لسان قادة الكتل الكبيرة فصرح احد القادة الكبار بأن خصمه قد فقد مبررات الشراكة في العملية السياسية فيما رد الخصم وهو رئيس كتلة كبيرة ايضا بأنه سيعمل على اسقاط حكومة خصمه وزاد على ذلك بالتهديد والتأكيد عبر صحيفة سعودية على ان الاخيرة تمثل عمقه الاستراتيجي فيما هددت كتلة اخرى بالانفصال عن العراق وهدد اخرون بأعلان اقليمهم وعلى ذلك فقد اتسع الفراغ السياسي و تبعا لذلك اعتمر في الانفس الحنق والغضب وبرزت براثن الاحتقان القومي والطائفي وقد استغل العدو كل ذلك افضل استغلال فقرر التنفيذ في النخيب تحديدا وذلك لزق الاحتقان الطائفي بأقوى مصل تصعيدي علما ان منفذي جريمة النخيب الاولى التي استهفت المعتمرين الشيعة ما زالوا احياء يرزقون ، اضف الى ذلك امتناع الدوائر الامنية في قاطع الجريمة من دفع رواتب او مكافآت عيون عملائها القريبة من الطريق الصحراوي وكان العدو سباقا الى تحديد الحلقات الرخوة المتعددة في الطريق الصحراوي ولا سيما الحلقات الاستخباراتية والمخابراتية واللوجستية وكان على الحكومة المحلية في كربلاء وقادة قواتها الامنية ان تقيّم الوضع الامني من جديد وان تعي مستجدات الوضع السياسي وتذهب الى تقديم خطط احترازية ووقائية واعادة انتشار قواتها وتتقصي الخريطة الامنية التي تعتمدها فتعمد فورا الى غلق الطريق الصحراوي الى حين توفرالامن فيه . قد يبدو كلامنا سطحيا وساذجا ورب قائل يقول ان ذلك جهل واضح بسياقات العمل الامني وانجازاته ونجاحاته وما ادخل عليه من تقنيات متطورة تغنى عن العدد الهائل لرجال الامن ، ولكن بالمقابل فأننا نعلم ويعلم معنا القادة الامنيون بأن الف هزيمة مرة تلحق بالعدو يكنسها خرق امني واحد في المنظومة الامنية الحكومية وذلك لأن الاسد لا يمتدح على هزيمة فأر ، وهذا ما يدعونا ان ندخل الى الكارثة من مدخل اخر ومن منظور مختلف وان كان فيه ما يغضب البعض ويثير حنقهم ولكن هناك دماء اريقت مجانا وارواح غالية ازهقت واموال بددت وقلوب احترقت وكرامة انتهكت ورجولة ذلت وخابت واصابها الندم ورتب عسكرية عاتبها الشرف العسكري الذي يأبى الغفلة او الهزيمة ، وعلى هذا فأنه مدخل موجع نجد انفسنا فيه مضطرين لطرح عدة تساؤلات قد تكون جارحة ومحرجة وان كانت بحكم اليقين في زماننا هذا ، ومن هذه الاسئلة معرفة ما اذا كان العدو يتمتع بنفس التقنيات والادوات والاموال المتوفرة عند الجانب الحكومي ، وعما اذا كان العدو اكثر جهادية واكثر اخلاصا لقضيته على ما فيها من وضاعة وسفالة ، وعما اذا كان العدو اكثر ذكاءا ووعيا وتحسسا ومهنية وحرفية من القادة الرسميين ؟ ! ومن غير ان اضع الاجوبة بكل جراحاتها على هذه التساؤلات اقول ان لا شك بأخلاص وشجاعة ابنائنا في القوات المسلحة ولقد كانت وما زالت لهم ايام تفردوا بها عن غيرهم غير اني مع هذا اقول ايضا ان الجواب على تلك الاسئلة يدعو للاسف والخيبة . ومعلوم ان المنظومة الامنية لكل دولة تتمييز بحساسية وخطورة عملها وذلك لكونها ذات مهام تتصل بحياة الناس واموالهم وكرامتهم وبمصير الامة و سيادة الدولة ووجودها ويعوّل اعداء العراق على الفاعل الامني ولكنهم يتجنبون التصادم مع الاجهزة الامنية بشكل مباشر ويستهدفون تقويض بناء الدولة وعمل الحكومة من خلال بث الرعب والخوف في اوساط الشعب والتركيز على استهداف المواطنين العزل والابرياء وبث حالة التجهم والسوداوية في البيئة الاجتماعية وزرع اليأس في النفوس الى درجة لا يعبؤون معها بكل ما تقدمه الدولة لهم من خدمات (بائسة) ورواتب وذلك من اجل احداث قطيعة بين المواطنين والحكومة ودفع السلطات الحكومية الى تضخيم الاجهزة الامنية وتحويلها الى بؤر لاستنزاف الميزانية المالية وعلى ذلك فأن المنظومة الامنية عرضة للاختراق المعادي واخطر انواع الاختراقات هي تلك التي تأتي من داخل المنظومة الامنية عندما يتسلل الموغلون بالاجرام من ارهابيين وبقايا النظام البائد الى مفاصل الجهاز الامني لينخروا الجهاز من الداخل ، وعندما يتخم الجهاز الامني بعناصر مصابة بداء الغفلة المزمن ، و اخرى غير مهنية ولا هم لها سوى منافعها الشخصية ولا سيما اولئك الذين انخرطوا في المنظومة الادارية للجهاز الامني وراحوا يتاجرون بالوظائف وعندها يستغل العدو هذه الفجوة الخطيرة ويبذل الاموال بسخاء للفاسدين الاداريين ليتم تعيينهم في اهم واخطر المفاصل المؤثرة في العمل اللوجستي والمعلوماتي ، والمتمعن بملاكات الاجهزة الامنية يجدها مكونة من شرائح متعددة ومختلفة منها الموظفون النمطيون الذين لا هم لهم إلا عد الايام لقبض رواتبهم المتورمة ومجاميع اخرى توالي الارهاب والنظام البائد والقسم الاكبر من الذين سحقتهم العجلة البيروقراطية العسكرتارية لبعض الضباط الكبار والمتنفذين الاداريين والى جانب تلك هناك اعداد لا تملك اية مهارات فرضتها التوافقات السياسية وما تبقى يمثل القسم الذي يمكن وصفه بالصفوة من الضباط والجنود والشرطة التي تتفاعل مع الهم الوطني وتحترم الشرف العسكري وترى فيه الوطنية الحقة والمروءة والنخوة وغالبا ما تكون هذه الصفوة من الشرائح التي انحدرت من عشائر وعوائل وبيوتات عراقية لها باع معروف بالولاء للمنظومة القيمية العراقية الاصيلة وبالسلوك المنضبط الذي يراعي معاني الولاء للوطن والمجتمع والاعراف والتقاليد وكثير من هذه الصفوة اكتوت بنار الانظمة الاستبدادية البائدة ، ويعلم كل العاملين في الاجهزة الامنية هذه الحقيقة ، وهناك اعداد كبير من منتسبي الاجهزة الامنية المختلفة يتمتعون بأجازات مفتوحة بالاتفاق مع العناصر الفاسدة على تقاسم راتب المنتسبين الذين تفرغوا لممارسة اعمال اخرى في ورش صناعية خاصة او سواق تكسي او باعة على الارصفة او عمال في القطاع الخاص ومنهم متسكعون في الاسواق والملاهي ومنهم من انتظم في عصابات اجرامية ومنهم من خلد للراحة على حساب امن واقتصاد البلاد . . واليوم تمثل الاجهزة الامنية المتعددة بالوعة هائلة لشفط اموال الخزينة العراقية .
اشرنا سابقا الى ما نعتقد انه عوز حسي ذلك الذي تعوزه المنظومة الامنية الوطنية ، فالامن يرتكز بأعتقادنا على الخبرة والحرفية لرجال من اصحاب الموهبة الحسية والمهارات المتعددة التي تصقلها الدربة والمناورة والتجربة والتخصص والقدرة على اكتساب المزيد من المعرفة والاستعداد للتعامل مع احدث التقنيات والتزود بمختلف التجارب العالمية وتقصي كل جديد من شأنه ان يدفع بالعملية الامنية الى مستويات افضل ، وان العنصر الامني الموهوب بوصفه ثروة وطنية للبلاد يجب ان يتمتع بالمعرفة المتعددة الاوجه ولا سيما العلوم السياسية بوصفها دالة تحليلية على بؤر الخروقات الامنية وان يكون على قدر كبير من الحس الذي يجس النبض الامني في الشارع ويستخلص منه الاحتمالات المرجحة لاحداث خرق ما وان يتقصى بوقائية عالية مختبرات وكشوفات العدو وما متوقع منه وتفكيك شفراته وتحديد الاجراءات المناسبة لاجهاظ خططه ولا بد لرجل الامن في العراق الديمقراطي الجديد ان يكون على دراية بالقانون ليقرر ما يجب عليه عمله دون المساس بحقوق الانسان او التضييق على الحريات العامة والشخصية وهذا ما يجعل من مهمة العنصر الامني العراقي الجديد اكثر تعقيدا بوصفها مهمة فتية لم يألفها الجهاز الامني العراقي الذي بنى على اساس الموالات للحزب او الفرد او الجماعة الحاكمة ، ومن المهم ان يكون رجل الامن حارسا امينا على المال العام والخاص ومواليا للنظام السياسي الديمقراطي التعددي وحريصا على نجاح التجربة وان يكون ارتباطه بمكونات الشعب العراقي وثيقا وان يحترم مقدسات شعبه وتقاليد مجتمعه وتاريخ بلده وتراثه وان يكون عنيدا في تصديه للفساد المالي والاداري ومتى ما وصلت الاجهزة الامنية الى هذا المستوى يمكننا ايقاع الهزيمة بكل القوى المضادة للتجربة الديمقراطية في العراق .
من الصعب بناء جهاز امني غالبية عناصره بتلك المواصفات غير اننا لا نجد مناص من البحث عن هكذا عناصر لنشكل منها منظومة امنية قوية ومهيبة كون ان مستقبل العراق الجديد وتجربته الفتية مرهونة بالفاعل الامني والعراق يمتلك فرص كبيرة لانتقاء عناصر امنية موثوق فيها من الاوساط الشعبية التي سحنتها رحى الاستبداد ومن ابناء الشهداء وضحايا الدكتاتوريات ومن اصحاب المصلحة بالنظام الديمقراطي ومن ابناء العشائر والمرجعيات الدينية والوطنية وان المنظومة القيمية للمجتمع العراقي قادره افراز ثلة طيبة من الابناء البررة .

التعليق