عاجل:
مقالات 2010-10-23 03:00 724 0

(( بحث في نشأة مدينة سوق الشيوخ ))

يكتنف البحث في نشأة مدينة سوق الشيوخ العريقة ، الكثير من الاشكاليات العلمية ، والتاريخية وخصوصا منها التوثيقية

توطئة

*****************************

((1))

يكتنف البحث في نشأة مدينة سوق الشيوخ العريقة ، الكثير من الاشكاليات العلمية ، والتاريخية وخصوصا منها التوثيقية على التحديد ، فمعروف في تاريخ هذا الصقع من جغرافية العراق ماقبل قيام دولته الحديثة  انه المساحة او الفضاء الجغرافي الوحيد من العراق الذي (( تمتع او رزح )) تحت حكم المشيخة المنتفجية لمدة اربع قرون متوالية من سنة 1009 هجرية 1600تقريبا ميلادية ، وهي سنة نزوح عائلة ال شبيب من الجزيرة العربية ،(( كما ذكره ديكنسون في كتابه تاريخ الكويت وجاراتها ج1ص159)) ومن ثم مشيخة السعدون لتستوطن منطقة الجنوب العراقي من السماوة حتى البصرة وماتحت هذين الخطين ، كما ذكره يونس الشيخ ابراهيم السامرائي في كتابه((القبائل  والبيوتات الهاشمية في العراق)) ص 177 بقوله:((مناطق حكم  ال سعدون ( إمارة المنتفج ) وهي لواء السماوة ولواء المنتفق قلب امارة المنتفق تاريخيا وما تبقى منه يسمى محافظة ذي قار حاليا وابو الخصيب ولواء العمارة ولواء البصرة))وحتى سنة1286هجرية مايقارب سنة 1869م بولاية الوالي العثماني متحت باشا وهي فترةحكم مشيخة السعدون  للمنطقة وهم فخذ من افخاذ ال شبيب بشكل مطلق لفترة ثلاثمائة سنة قبل ان تقيدها الدولة العثمانية الى ان انتهت نفس الدولةالعثمانية التي رعت مشيخة السعدون فيما بعدقبل ان تقضي عليهم وعلى نفسهانهائيا من العراق زمن الاحتلال البريطاني لهذا البلد في 1914م الى 1918 م باحتلال بغداد ومن ثم الموصل !!.

 

والحقيقة عندما نذكر اشكالية بحث تاريخي توثيقي لمدينة سوق الشيوخ ونذكر على إثره حكم (( مشيخة عشائرية وليس نظام دولة سياسي )) فاننا نقصد بذالك ان حظ مدينة سوق الشيوخ العاثر في هذه الزاوية هو الذي جعلها تقع في حيز حكم مشيخات وتحالفات عشائرية وقبلية لفترة اربعمائة سنة متصلة وفي فترة حيوية جدا من تاريخ العراق الوسيط فمعلوم والحال هذه الفرق والاختلاف والبون الشاسع بين نظام الدولة وحكمها لاي بقعة جغرافية واجتماعية وما ينعكس من هذا الحكم لوجود نظام الدولة السياسي على التوثيق والتورخة ....الخ وباقي الاشياء التي تكون انعكاسات وظواهر لوجود مفهوم الدولة الحديثه ، وما يكون في المقابل من غياب الدولة وانزواء الحكم السياسي عن هذه البقعة الجغرافية والاجتماعية ، واتكائها فقط على حكم المشيخات القبلية والتحالفات العشائرية ، ومايصاحب ذالك من غياب للقانون والاعتماد على الاعراف التي تقيم علاقاتها الاجتماعية بشكل مختلف وجذري عن ماتقيمه الدولة من علاقات داخل اي مجتمع تسوده وتديره !!.

 

اي وبمعنى اخراكثر وضوحا : إن الفرق بين حكم الدولة ومفهومها الحديث والقديم  لاي مجتمع على جغرافية طبيعة لهذا العالم  وبين حكم التحالفات العشائرية ، او القبلية باعتباره حكم بدائي وفطري طبيعي ، ومايؤسسه هذا الاختلاف على عملية التورخة والتوثيق كان ولم يزل هو احد عوائق اشكاليات التورخة التوثيقية ،  بصورة عامة بالنسبة للحكم القبلي البدائي وهذا بعكس ما هو في حكم الدولة والنظام السياسي وانتعاش حالةالتدوين وبرروز ظاهرة التوثيق بشكلها العام السياسي والاقتصادي والاداري والاجتماعي وحتى الاسري وكل ذالك لما هوموجود من فروقات جوهرية بين المجتمعات السياسية التي تديرها الدولة بمفهومها السياسي والاخرى القبلية والتي من اهمها الاتي :

 

اولا :ان للدولة مفهوم الرعاية العامة لمواطنيها بغض النظر عن منازلهم الاجتماعية اوالطبقية اوالقبليةفالدولة هي اعلى سلطة تقوم على راس المجتمع ولاتنتمي الا لكل المجتمع على التساوي بينما المشيخة وحكم القبائل والعشائر هو مرتبط حتما بهرمية قبلية ترتب له منازل اجتماعية معينة ، وتفرض عليه رسوم خاصة في تلك التراتبية الاجتماعية  !.

ثانيا : للدولة سجلات وتوثيق وبرامج ومخططات ....الخ في ادارة المجتمع والجغرافية الطبيعية الزراعية والسكانية وغير ذالك مما يضطرالدولة لسنّ القوانين العامة التي (( تنزل من اعلى هرم الدولة )) ، للقاعدة الاجتماعية بدون تفرقة بين افراد المجتمع للخضوع لهذه القوانين الشاملة في القضاء والاقتصاد وتنظيم الاسرة والمواريث ، ووضع الحقوق لافراد المجتمع وماعليهم من واجبات أمام الحكم والدولة وامام بعضهم والبعض الاخربينما مسار القوانين في الحكم العشائري والقبلي يكون معاكسا لقوانين واحكام الدولة ، فهي اعراف واحكام ((  تصعد من قاعدة المجتمع لتحكم  ثم اعلاه )) ولاتفكرهذه القبائل والعشائرولا حكوماتها التحالفية مطلقا بعملية اصدار قوانين فيها حقوق ،وواجبات للمجتمع فردا فردا تناهض من خلالها تلك الاعراف التي انبثقت من قاعدة المجتمع القبلية مما يدفع الحكم المشيخي العشائري وبطبيعته الاجتماعية ترك الرؤية القانونية الشاملة للمجتمع باعتباره كل وجسد واحد ،وتوثيق كل مايتعلق به قانونيا واقتصاديا واجتماعيا ، والاكتفاء بالاعراف المحفوظة شفهيا والتي هي مختلفة من قبيلة الى اخرى ومن حكم عشيرة الى غيرها !!.

ثالثا: للدولة طبيعة وشخصية وبناء علاقات اجتماعية مختلفة تماماعن طبيعة وشخصية وعلاقات حكم العشيرة الاجتماعية كما ان للدولةاهدافا وغايات ايضا هي مختلفة جذرياعن اهداف وغايات حكم القبائل والعشائرفي اي صقع من اصقاع العالم الانساني والجغرافي هذا فبينما  تبني الدولة علاقات مجتمعها على المصالح الاقتصادية والسيادة السياسية ، يكون حكم القبائل والعشائر منشغلا ببناء علاقاته النسبية ومحل كل نسب من شجرة العائلةوترتيبه في صلة الارحام وغير ذالك ولم يخطأ من قال ان القبيلة تموت في الحكم عند قيام الدولة كماان الدولة تنتهي في ارتدادالحكم للقبيلةوحكم العشائرومن هذا المنطلق كان ولم يزل التاريخ يوثق للمجتمع داخل الدولة اكثر من توثيق التاريخ للحكم داخل القبيلة لان القبيلة شخصيتهافي الهيمنة والغزووالتوسع مختلفة عن شخصية الدولة في العمران وادارة المجتمع والبناء فيه والنهضة بتطوره.........الخ ما يجعل من تاريخ الدولة ايضا مختلفا بشكل واسع وشامل توثيقيا للمجتمع عند ذكر التاريخ منه لحكم المشيخات والقبائل والتحالفات العشائرية الفطرية البدائية !.

 

وحينئذ اذا اصبحت لدينا هذه الفروق التي ذكرناها لحكم الدولة وحكم العشائر واضحااصبح لدينافي نفس الوقت الوضوح الكافي لمعرفة اشكالية التوثيق في معرفة نشأة مدينة سوق الشيوخ التي ظلت تحت حكم العشائر لاربعة قرون متصلةولماذا نحن نقول ان لدينا ازمة تاريخ موثق لهذه المدينة ، لانه وبسبب ان حكم التحالف العشائري ، الذي سمي بحكم المنتفج لهذه المنطقة كانت طبيعته لاتقبل لابالتوثيق ولابكتابة التاريخ اوحتى الاعتراف به الامن خلال كتابةقصائدالمديح للشيخ ثامر السعدون اوذكر غزوة الشيخ حمود ال ثامر ال سعدون والتي حتى مع هذا تروى لنا شفهيا واخذها التاريخ الحديث من حكايات العجائز وخيالاتهن!!.

 

نعم مضافا لذالك يمكننا ايضا معرفة حال هذه المدينة ، وكيف انها كانت لتكون مختلفة جدا ، لو قدر لها التاريخ ان تعيش تحت نظام حكم الدولة (اقصد حكم مفهوم الدولة واي كان هذا الحكم عربيا كان ام عثمانيا او حتى فارسيا)ومهما كان فاسدا اومتخلفا او ..الخ الا انه افضل بكثير من حكم قبائل وعشائر كانت لاتدرك من الحكم الا انه توسع وهيمنة وتمدد وزيادة نفوذ على الارض والثروات اكثر فاكثر لرفد رصيد قوّة التحالف العشائري القائم !!.

 

صحيح حاول بعض المؤرخين والكتاب المحدثين ان يعطوا صفة(حكم الامارة العربية) للمشيخة المنتفجية واعتباران ذالك الحكم الذي دام في جنوب العراق اربعمائة سنة ، انما كان هو عبارة عن حكم امارة وليس حكم قبيلة بدائية ومنعزلة !!.

 

ولكن الواقع ان مثل هذا الوصف لحكم مشيخةعشائرية كالتي كانت قائمة في جنوب العراق اذا دلّ على شيئ فائما يدلّ على عدم ادراك علمي وتفريق منهجي بين الدولة والامارة وحكمهما المميز بالقانون والتوثيق .... وباقي ماذكرناه انفا من فروق ، وبين حكم القبيلة اوالتحالفات العشائرية التي كانت قائمة في جنوب العراق والتي اعتمدت التقاليد والاعراف لادارةحكمها القبلي ولعل هناك من يريد ان يسبغ الصبغة الايجابية على حكم هذه المشيخة السعدونية في هذه الجغرافية من العراق باي شكل من الاشكال فاخترع لها الاوصاف الاقل سلبية سياسية من وصف الحكم القبلي ، والعشائري فقال بحكم (( الامارة )) ،باعتباره الاقرب لحكم الملكية ومصطلحاتها في العصر القديم لكن غاب عن الاساتذة الافاضل من تاريخيين وكتاب محدثين ان قراءةالتاريخ لاينبغي ان تعتمد فقط على كتابته بل ينبغي ان يقرأ التاريخ بخلفياته الاجتماعية والسياسية والاقتصاديةوبصيغة حضارية تدرك وتفهم جيدا معنى اصول الحكم وظواهره وماهية قيمته الحقيقية لتطوير حياة المجتمع ، او تخلفه ونحن (( من وجهة نظرنا)) نرى ان حكم مشيخة السعدون العشائرية ،وإن كانت تسمى بالامارة العربية تاريخيا ، الا انها في الواقع حولت من جنوب العراق الذي حكمته بالقوة والهيمنة والسلطة القبلية الى عاصمة لنزعاتها القبلية التوسعية ، مضافا لعصيانها لفترة اكثر من ثلاث قرون على بسط هيمنة الدولة على هذه الارض ، او عجزها هي كمشيخة ،ان تتحول الى دولة وتتمظهر بكل ما للدولة من مظاهر قديمة اوحديثة بل ان المشيخة انشغلت تماما بترميم وتعضيد نفوذها المشيخي فحسب لادراكها انها غير مهيئة للتحول الى دولة واهملت تماما الجوانب الاخرى الكثيرة التي لو كانت اي دولة حاضرة في هذا المكان لحولته الى شيئ اخرمختلف حضاريا وقانونيا واجتماعيا واقتصاديا كذالك ؟.

 

وعلى اي حال يكفي الى هنا ان ندرك منشأ اشكالية التوثيق في تاريخ مدينة سوق الشيوخ ، ومعرفتنا سوء الطالع لهذه المدينة التي قبعت لقرون تحت خنق حكم المشيخة المنتفجية ، وكيف ان اكثر من تسعين بالمئة من تاريخها ، مع الاسف ينقل لنا اليوم شفهيا فقط لاغير من خلال القيل والقال ، والحال ان التاريخ لايكتب بدون توثيق محكم ، ولكن حتى مع هذا النزر اليسير اليسير جدا من التوثيق ، لتاريخ نشأة مدينة سوق الشيوخ ،فالمجتهدون والباحثون لايعدمون الوصول الى تاريخ نشأة هذه المدينة من هنا وهناك  او تاريخ حركتها التجارية او تقاليدها الاجتماعية ، او ماكانت تتمتع به من مميزات جيوسياسية حقيقية أهلّها للعب دورمهم في حياة العراق الجديد والقديم على السواء، ولكن بشرط ان ينتبه الباحثون جيدا في عملية البحث هذه ، وخصوصا في نشأةهذه المدينةالى ان لايخضعوا تماما وباستسلام لامبررله لكل مانقله التاريخيون والباحثون المحدثون في تاريخ هذه المنطقة ولاسيما مدينة سوق الشيوخ وانما عليهم الوقوف والتامل والتفكيربكل كلمة قيلت تاريخيابشأن من شؤون مدينة سوق الشيوخ ومن ضمنها نشأة هذه المدينة والتاريخ المكتوب فيها وهذا ما سنقف عنده لاحقا   !!.

 

إن من حسن طالع مدينة سوق الشيوخ ((هذه المرّة))إن تاريخها المتناثر هنا وهناك  لم يخنق او يموت تحت اميّة حكم مشيخة السعدون التوثيقية تلك ، بل ان الباحثين بامكانهم من خلال ماكتبه سيّارة التاريخ النجديين والخليجيين وتجارهم انذاك ان يقعوا على جواهر توثيقية ثمينة لحياة وتاريخ مدينة سوق الشيوخ العراقية هذه وإنه حتى مع الاسف لذالك ، لكن الحمد لله الذي جعل تاريخ مدينةسوق الشيوخ التجاري اوالسياسي يكتب ولوعلى ايدي غيرالعراقيين انذاك ليحفظ لناعلى الاقل من خلال وثائق تجار خليجيين كانت لهم صلاة تجارية بمدينة سوق الشيوخ ولعل هناك من سيستغرب اذاقلنا ان تاريخ سوق الشيوخ وتراثها محفوظ باكثر توثيقية وتقنية عند انساب عوائل جزيرية عربية ،  كانت في يوم من الايام من سكنة مدينة سوق الشيوخ هذه ، اكثر مما حفظه العراقيون انفسهم اليوم الذين يسكنون في هذه المدينة فمثلا عندما نطلع اليوم على التوثيق في حياة العوائل النجدية نجد ان بيوتات العرفج والجاسر والبسام...الخ  كلهاعوائل تعيش اليوم في مملكات وامارات الجزيرة العربية  الحديثة الا انها تحتفظ بتاريخ سير حركة عوائلها الجزيرية القديمة التي مرت بمدينة سوق الشيوخ في يوم من الايام ،وسكنت فيها واخذت من روحها ورياحها الطيبة كثيرا !!.

وهكذا ايضا برجوعنا لوثائق التجارالخليجيين الذين عاصروا القرون الاربعة لمشيخةعشائرالمنتفق لمدينة سوق الشيوخ سنجد من الوثائق الشيئ الكثير ، الذي يذكر التجارة وانواعها المصدرة من الهند الى سوق الشيوخ مباشرة من خلال تاجر كويتي هنا وبحريني او عماني هناك !!.

 

نعم كتب من الباحثين والكتّاب والمؤرخين العراقيين حول تاريخ مدينة سوق الشيوخ كذالك وهذا امر لم يغب ولا لحظة عن بالنا مطلقا ، لكن الغريب في نمط الكتابات التي تناولت هذه المدينة او تاريخها انه في واقعه تاريخ كأنما لم يكتب بالاساس للتورخة لمدينة كانت في يوم من الايام حاضرة العراق العربية لفترة اكثر من ثلاث قرون ،  وانما كتب للتورخة لعشائر وشخصيات هذه العشائر وافخاذها وتفرعاتها وامتداداتها ..... وهكذا ، لتصبح الكتابة والتورخة لمدينة سوق الشيوخ مختصرة على ذكر عشائر هذه المدينة واشرافها وحتى عاداتهم وتقاليدهم ومآثرهم ومعاركهم وخلافاتهم....لنجد أنفسنا اخيرا امام تورخة بالاصل للعشائر والقبائل التي تسكن في اطراف وداخل مدينة سوق الشيوخ ، وليس لتورخة مدينة سوق الشيوخ ، بما هي مدينة ولها شخصية مستقلة وطبائع وتقاليد وتنوع اجتماعي واثني وديني ومذهبي مختلف تماما عما كتبه الباحثون بهذا الصدد !!.

 

ومن هنا ومع الاسف ومع غزارة ماكُتب حديثا حول تاريخ مدينة سوق الشيوخ النسبي كمادة توثيقية الا انه تقريبا عديم الفائدة لاختصاره البحث على الجانب العشائري للمدينة فقط ، بل واظهار هذه المدينة للقارئ ،وكأنها مجرد كتلة من العشائر المتحركة لاغير من جهة ، ولتكرارية هذه البحوث ونمطيتها الموحدة التي تفتقد للبحث السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي لهذه المدينة وتنوعه من جانب اخرولهذا وجدنا ان نفس المعلومة التي كتب قبل خمسين سنة حول مدينة سوق الشيوخ هي هي مكررة دوما في كتابةالباحثين الصنميةالتي تعتمدعلى النقل اكثرمن اعتمادهاعلى البحث العقلي والفكري الذي يثري قراءةهذا التاريخ للمدينة ويزيده دفعا للبحث عن كل ماهو جديد او مطمور من تاريخ هذه المدينة الطيبة !.    

********************************

((2))

تاريخ نشأة مدينة سوق الشيوخ .

 

ماهو المميز اذا عبرنا عن نشأة مدينتنا هذه بالقول :(سوق الشيوخ ولدت مدينة) او ان نقول (ولادة مدينة سوق الشيوخ) ؟.

 

المميز هو ان سوق الشيوخ هذه لم تولد كقبيلة نشأة على هذه الارض ثم توسعت القاعدة السكانية وتنوعت لتتحول الارض من ثم من اسم القبيلة وتجمعها المميز بتقاليده الموروثة الى اسم المدينة وما تنتجه من ظواهر وتقاليد اجتماعية مختلفة  !!.

 

كما ان الجواب على المميز الثاني هو : إن ولادة المُدن تختلف حسب نوعية الاغراض التي اريدت من هذه الولادة ، فهناك ولادة المدن السياسية تاريخيا من مثل المدن التي تبنى كي تكون عواصم سياسية لهذا الملك اوذاك الخليفة ((بغداد سامراء...وهكذا)) والاخرى ولادة المدن التي تكون مبرراتها مثلا عسكرية كما في ولادة (( الكوفة والبصرة)) اسلاميا عندما بناهما الخليفة الثاني لعسكره الذي يغزوا ارض فارس للتوسع والاستعماروكذالك هناك مدن تولد لمبررات اقتصاديةكماهو الحال فعلا في ولادة مدينتنا الصغيرة هذه المسماة بسوق الشيوخ ومن اسمها (سوق )فيه الدلالة الواضحة على ان مبررات نشأتها وولادتها الحقيقية كانت اقتصادية في الجانب الاول والاخير لها ، قبل ان تكون ( سوقا )  لتبضع المشيخة المنتشرة في هذه الجغرافية هنا وهناك  !.

 

لكن من الناحية العلمية ايضا اذا قلنا إن مدينة سوق الشيوخ كانت مبررات وغايات واهداف نشأتهاكلها اقتصادية تجارية وانها تكونت بالفعل لتكون سوقا تجارية قبل ان تكون مدينة اجتماعية فهل هذا يعني ان هناك خلفيات ثقافية وفكرية يجب اخذها بعين الاعتبار قبل الدخول في ذكر التاريخ المدّون والتوثيقي  لنشأة هذه المدينة كما يرويه لنا المؤرخون المحدثون ؟!.

أم انه ينبغي الاكتفاء بماذكره السلف الصالح من المؤرخين  فقط والتسليم لما قرروه والاكتفاء به لاغير ؟.

 

الجواب بالطبع هناك خلفيات فكرية لهذا الكلام الذي يؤكد على ان مبررات نشأة سوق الشيوخ كانت تجارية اقتصادية في المقام الاول والاخير ، ومن اهم هذه الخلفيات الفكرية هي :

 

اولا :تختلف عادة إقامة او انشاء وولادة المدن التجارية عن مثيلاتها من المدن السياسية او العسكرية او القبليةاو ... غير ذالك بأن المدينة التجارية حسب المرحلة الزمنية قبل اربعمائة عام منذ الان كانت لا تولد بقرار حكومي او فردي او عشائري من هذه الجهة او تلك كما في ولادة وانشاء المدن المذكورة السياسية او العسكرية او القبلية، وانما تولدالمدن التجارية في تلك المرحلة الزمنية التي ولدت فيها مدينة سوق الشيوخ التجارية حسب مواصفات معينة من اهمها المواصفات الجغرافية  ونوعية السكان المحلية التي  هي تفرض نفسها لتكوّن وتنشئ اسواقها التجاريةبعيدا عن قرارات السياسةوحسابات الجيوش وحركتهااو قواعد فن الاشتباكات القبلية وتجمعاتها ؟!.

 

اي انه اذا اردنا معرفة كيفية نشأة الاسواق التجارية قبل اربعمائة سنة منذ الان فعلينا الالتفات الى ان الاسواق والمدن التجارية  في الماضي كان يجب ان يكون من اهم مواصفاتها الجغرافية ، ان تكون نقطة التقاء مواصلات (برية وبحرية) جغرافية في الان الواحد لتتهيئ السبل، للحركة التجارية بسهولة وللاتصال بهذه السوق التجارية ، ومن ثم الى مواضع الاستيراد والتصدير منها واليها !!.

وقد كانت المواصلات البشرية انذاك امابرية وهي النقل بالجمال وعلى محامل ووسائل النقل الحيوانية ماقبل الماكنات المتحركة بالوقودواما نهرية وتكون وسائل النقل البحرية فيها من سفن هي الوسائل المستخدمة بنقل البضائع من مكان الى اخروعلى هذا الاساس كانت جغرافية مدينة سوق الشيوخ بالتحديد هي المهيئة دون غيرهامن اماكن وجغرافية الجنوب العراقي المتعدد لتكون قاعدة لسوق تجارية تقع جغرافيا من الغرب والجنوب الغربي على حافات الصحراء النجدية ،  التي كان سكانها يرون في مدينة سوق الشيوخ انها الاقرب لميرتهم وتبضعهم ونقل سلعهم من الصحراءالى هذه المنطقةوكذا نهريا فقدكانت مدينة سوق الشيوخ ومن مميزاتها الجغرافية الاقتصادية انها معقد طرق تجارية تربط صاعدة من بحر الخليج عبر الاهوار العراقية وحتى الى بغداد شمالا من التجارة النهرية العراقية وبالعكس ايضا في حال نزول البضائع من شمال العراق الى جنوبه الى بحر الخليج جنوبا!!.

 

وهكذا فقدشاء القدران تكون جغرافية مدينة سوق الشيوخ الرية والنهرية من المواقع الجغرافية الصالحة لتكون في وسط مشبك طرق المواصلات القديمةالذي هيئهاللعب دور الوسيط التجاري في العراق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب برّياونهريا !.

 

ثانيا :من المواصفات التي وجدت في البقعة الجغرافية التي ولدت عليها مدينة سوق الشيوخ هي المواصفات المحلية والسكانية ايضا فمدينة سوق الشيوخ في القديم وحتى اليوم تقريباتجلس على ارض زراعية ثرية جدا في انتاجهاالغذائي الكثير من التمور والرز (العنبر فيما مضى) والثروة الحيوانية ...الخ مضافا لذالك ثروتها النهرية السمكية الهائلة واستيرادها وتصديرها للاقمشة والتبغ والشاي والسكر والبهارات ... مايعني ان ارض مدينة سوق الشيوخ كانت مهيئا طبيعيا للاكتفاء الذاتي من انتاج غذائها وتصدير الفائض لباقي الاصقاع الجغرافية التي تعيش في الصحراء او في باقي المدن العربية والعراقية !!.

واذا اضفنا لكل ماتقدم ان سكان مدينة سوق الشيوخ المحليين كانوا من اهل المهن والحرف الصناعيةالمتعددة ((وهذه ميزة لان ابناء العشائروالبدوكانوا يحتقرون المهن وممتهنيهابل انهم اطلقواسم المهن على الحرف اليدوية والصناعية للتعبيرعن المهانة وباعتبار انها منافية لرجولة الحرب والسيف .......الخ كما يذكره الاجتماعي الدكتور علي الوردي في بحثه المسمى الضائع من الاخلاق العربية))التي يمتهنون فيها الحرف الصناعية جنب الى جنب  للحرف الزراعية والتجارية والاجتماعية ايضا التي كانت متمثلة بصناعة التعليم والتدريس كذالك !.

 

عندئذ اذا فهمنا ذالك ، ادركنا اننا عندما نقول : ان مدينة سوق الشيوخ ولدت لتكون مدينة تجارية ، او انها ولدت مدينة ، فان هذا يعني ان ولادتها لايمكن لها ان ترتبط باي قرار غير قرار الجغرافية ونوعية السكان المحليين الذين قطنوا على هذه الارض فلايمكن القول : ان المدن التجارية يمكن انشائها بقرارات حكومية او سياسية او قبلية او اجتماعية قبل اربعمائة عام حالها في ذالك حال باقي المدن التي انشأتها القرارات السياسية او العسكرية او القبلية ....الخ ، لان اسباب ومبررات قيام المدن التجارية انذاك لاترتبط اصلا بالبرامج الحكومية كما هي اليوم لانشاء مناطق التجارة الحرّة ، وانما كانت هناك عوامل جغرافية واخرى بشرية هي التي لها الكلمة الفصل بانشاء الاسواق فيما مضى من تاريخ !!.

 

وعلى هذا الاساس نحن اشرنا الى ان مدينة سوق الشيوخ التي من المؤكد تاريخيا انها انشأت كمدينة تجارية ، لايمكن نسبتها في نشأتها الا الى ذاتها وجغرافيتها ونوعية سكانها المحليين من حرفيين ومهنيين وصناعيين وتجار ..، الذي لهم الفضل الاول والاخير بقيام سوق هذه المدينة وانتعاشها وتمددها واستمرارها وثباتها حتى اليوم ، والا لو فرضنا ان هناك من يقول  ان نشأة مدينة سوق الشيوخ كان بفضل الحزام القبلي ( مثلا ) ،والعشائري الذي كان يسكن اطراف هذه المدينة ، لوقعنا معه باشكاليات فضلا عن انها تاريخية لكنها ايضا ستكون علمية واجتماعية كذالك ، فعند رجوعنا لدراسة التقاليد والاعراف القبلية والعشائرية التي كانت تعيش داخل الانسان القبلي العراقي بصورة عامة والسوكَاوي بصورة خاصة لاكتشفنا ووجدنا انه وحتى اليوم هناك في الاعراف القبليةوالعشائرية بعض الاحتقار الشديد للمهن والصناعات التجارية والاقتصاديةفكيف بنا قبل اربعمئة سنة وكيفية رؤيتهم للمهن والحرف والصناعات التجارية ، وهذه الحال من الاعراف والتقاليد لايمكن لها ان تساهم با نشاء سوق تجارية او انتعاشها فضلا من العمل فيها وضخ الروح لها وتحويلها الى مدينة اجتماعية دامت حركتها لاربعمئة سنة ماضية !!.

 

نستنتج مما تقدم عدم امكانية تصور ان هناك قرارا بشريا ساهم بولادة مدينة سوق الشيوخ ، مع ادراكنا ان يد الانسان هي من تمكن ان ينسب ولادة هذه المدينة لمشيخة ذالك الزمان لتسمى المدينة ب (( مدينة سوق الشيوخ )) وهذا ما يرغمنا على طرح السؤال التاريخي الاهم لهذه المدينة في تاريخ ولادتها وهو : هل فعلا ان شيخا من مشائخ المنتفج كان له الفضل بانشاء وبناء مدينة سوق الشيوخ العريقة ؟.

أم انه لايمكننا علميا واجتماعيا ان نقول بهذه البدعة التي تنسب ولادة مدينة تجارية لشيخ تحالف عشائري لاعلاقة له لابتجارة ولابصناعة بقدر ولعه بالحرب والغزو والتوسع وباقي اخلاق الصحراء ومولابساتها الطبيعية ؟.

*************************

 

((3))

 

نسبة تاريخ ولادة مدينة سوق الشيوخ .

 

القارئ لما كُتب في تاريخ ولادة مدينة سوق الشيوخ ، لايمكنه الا ان يخرج الابنتيجتين :

 

الاولى : هي ان كلّ ماقيل حول تاريخ مدينة سوق الشيوخ وانها كانت من التلال السومرية وانها كانت تسمى ب(( سوك مارو)) ثم تطورت الى ان وصلت او اتصلت بالعصر الوسيط العراقي من حكم المغول ، والسلاجقة والاتراك العثمانيون فيما بعد كل هذا مع الاسف ليس عليه اي دليل موثق حقيقي يشهد لهذا الخيال بالواقعية ، ولكنه يُقبل على اساس انه لامضرّة منه كتابيا لاثراء موضوع تاريخ مدينة سوق الشيوخ فحسب !!.

 

ثانيا : وهي نتيجة تذهب للقول حسب ماينقله الكتاب والباحثون عن يعقوب سركيس في ((مباحث عراقية)) : إن سوق الشيوخ لم تشيّد الا بعد سنة 1781م ، 1196هجرية !.

كما إن هناك من يذهب بمذهبه التاريخي الى نقل العبارة التاريخية المشهورة عند الحديث عن تاريخ  مدينة سوق الشيوخ وهي كالاتي :((اشتهرت السوق المذكورة بسوق الشيوخ لأن ال السعدون كانوا شيوخ المنتفك فلما حلّ ثويني العبدالله السعدون محل ابيه في المشيخة على المنتفق في سنة 1175هجرية 1761، ميلادية أمران تكون هذه السوق ثابتة اي مركزا لمهمات الشيوخ ومخزنا لذخيرتهم ))!.

 

والحقيقة ان كلا المقولتين التي تذكر عن يعقوب سركيس ، وما يعقبه من مقولة ان الشيخ ثويني ال سعدون هو من امر بثبات هذه السوق قبل ان تصبح مدينةلايخلوان من اشكاليات علمية وفكرية وحتى تاريخية كما ذكرناه سالفا ، فمذهب يعقوب سركيس  يناله الاتي من البحث :

اولا : ماهو الدليل التاريخي او الوثيقة الصارخة او الحجة الدامغة التي استند عليها المؤرخ والاديب والكاتب العراقي المعروف يعقوب سركيس على مرسلته التاريخية التي يقطع فيها ان سوق الشيوخ لم يكن لها وجود اصلا قبل سنة 1781ميلادية !.

ثانيا : يعقوب سركيس هذا الكاتب الاجتماعي الكبير كيف غفل ان مدن التجارة والسوق وولادتها كما هو مطروحا لولادة مدينة سوق الشيوخ لايمكن لها ان تظهر فجأة للوجود الاجتماعي وبهذه الصورةبحيث ان سركيس يجزم بعدم التشييد قبل هذا التاريخ مع اننا ندرك من خلال التاريخ المكتوب نفسه ان مدينة سوق الشيوخ بهذا التاريخ نفسه اوبعده بقليل كانت سوق قائمة مصدرة ومستوردة للبضائع التجارية من والى مدينة سوق الشيوخ !.

فلدينا وثيقة تجارية مؤرخة بسنة 1820 م اي بعد اربعة عقود من التاريخ المذكور لسركيس في ولادة سوق الشيوخ ، هذا اذا قلنا بحرفية التاريخ اما على قوله (( الا بعد سنة 1781))اي بعده بعدة سنوات تؤكد هذه الوثيقة بتصدير شحنة اقمشة من الهند الى سوق الشيوخ عن طريق تاجركويتي  يدعى (سيف بن عبدالله سيف العتيقي) مما يعطينا الاطمئنان الكافي ان سوق الشيوخ بهذا التاريخ كانت في اوج حركتها التجارية المحلية والعالميةفهل يعقل عندئذ ان تبنى مدينة تجارية بهذه السعة لمجرد انشاءها بثلاثة عقود فقط حسب تاريخ يعقوب سركيس لولادة سوق الشيوخ !!.

ثالثا :نحن ذكرنا ان ولادة هذه المدينة هي التي صنعت نفسها بنفسهاوهي التي تحولت الى مدينةاجتماعية فيهاالكثير من المهن والحرف الصناعيةوالزراعية قبل ان تتحول الى استقطاب تجاري للعراق وخارجه وهذا كله بحاجةالى دورة تاريخية اعمق بكثير مما ذكره الاستاذ يعقوب سركيس في جزمه لتشييد مدينة سوق الشيوخ !.

 

صحيح الراي الاخرالذي يذهب الى ان مشيخة المنتفق هي التي ثبتت من هذه السوق وهي صاحبت الفضل بانشاءهاربما ارتكنت ايضا في قولها بما ذكره يعقوب سركيس في مباحثه العراقية وغيره من كتّاب ومؤرخي وعلماء اجتماع العراق الحديث ،كما ان هناك بُعد اعلامي ضخم وقف حول تثبيت فكرة : ان مشيخة السعدون هم اول من ساهم في انشاء مدينة سوق الشيوخ ، لاسيما الشيخ الهمام ثويني العبدالله السعدون !!.

 

والواقع ان قبول فكرة :ان مشيخة السعدون ولاسيما الشيخ ثويني منهم هم اصحاب فكرة انشاء سوق تجارية في هذه الجغرافية العراقية الجنوبية ،لتكون لهم مخزنا ومركزا ، فكرة لايستسيغها العلم الاجتماعي ، وإن دعمتها الكتابات التاريخية المحدثة التي نقلت تاريخ هذه المدينة عن المشافهة لاغير ،لكن لوقيل او التفت للجملة التي تذكر تاريخيا بصورة عميقة وهي :(( امر مشيخة المنتفك العشائرية لتثبيت هذه السوق)) واخذها على اساس انها تبعا لوجود مدينة سوق الشيوخ اصلا وإن المشيخة المنتفجية (( استولت)) على هذه السوق التجارية التي اقامت نفسها بنفسها بعد ان اثبتت جدارتها في الاستمرار والحياةلضمها الى هيمنة الحكم القبلي السعدوني فلسوف تكون الجملة التاريخية واقعية وقابلة للبحث والنقاش العلمي والتاريخي !!.

 

اي اننا نذهب بفكرتنا وقرائتنا التاريخية لنشأة وولادة مدينة سوق الشيوخ ، على اساس انها المدينة التي خلقت نفسها بنفسها ،وصنعت حيزها التجاري بذاتها قبل ان تلتفت المشيخة المنتفجية الى هذه المدينة وما توفره من انتاج وتختزنه من ثروة لامثيل لها انذاك في المنطقة ، وما محاولة الشيخ ثويني السعدون ، واشارته الى تثبيت هذه السوق كما يذكره التاريخ الا محاولة غزو واستيلاء فعلية على هذه السوق التجارية التي مدت شريان الحياة لمدن العراق وصحراء الجزيرة العربية بصورة كبيرة ، ومن ثم جعلها مدينة تابعة لحكم المشيخة المنتفجية لاغير  ، فمثل هذا القول مسموع وواقعي !!.

 

إن رؤيتناهذه لولادة المدينة وانفصالها تماماعن افكار مشائخ المنتفج اوالسعدون لم تكن لتنطلق من  اعتبارات غير الاعتبارات العلمية والتاريخية لاغيرفنحن ذكرنا طبيعة مدينة سوق الشيوخ ، وشخصيتها المدينية ،التي لولا هذه الشخصية لما قامت اصلا وظهرت للوجودوذكرنا ايضا تناقض طبيعة وشخصية المجتمعات البدوية والعشائرية مع طبائع وشخصيات المجتمعات التجارية والمدينية التي تقوم على المهن والحرف ، وهذا كله يفرض علينا القبول بالنتائج التالية :

 

اولا :هناك مَن يعتقد ان مشيخة السعدون لايفرقون كثيرا في حياتهم واساليب تفكيرهم عن حياةالامراء والنبلاء الاوربيين الذين كانوايديرون امارتهم الريفية بصورة قريبة لحياة الترف والملوكية الغربية في العصور الوسطى والحال والحقيقة التاريخية التي تذكر لمشيخة المنتفق وحكمها لهذه المنطقة لاربع قرون متصلة ويغفل عنها كتابنا المحترمون  هي : إن عائلة الشبيب ومن ثم السعدون بالذات ، التي نزحت لجنوب العراق من العوائل البدوية المقاتلة في عمق الصحراء ، بل هي لم تاتي لجنوب العراق الا من خلال غلبة الغزو البدوي ، وشدته واستطاعته الانتصار على اهل الزراعة ،والمدن وميلهم للدعة والاستقرار ، وبهذا حكمت عائلة السعدون جنوب العراق الزراعي القاطن على فراته العذب من السماوة حتى البصرة !.

بل ان عائلة  السعدون وحسب مايذكره التاريخ لنا لم تعطي ظهرها ابدا للصحراء وحياة البادية والغزو والقتال مطلقا حتى مع انها كانت تعيش بالقرب من نهرالفرات وارضه الزراعيةالخضرةبل انهم كانوا يعيشون اصلا في الحرف المتوسط بين الصحراء النجدية والخضرة الريفية الى وقت زوال حكمهم من هذه المنطقة ، قبل ان يبني العثنانيون مدينة الناصرية لهم !!.

وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدلّ على ان هذا التحالف العشائري بقيادته البدوية كان اخر شيئ يفكر فيه ، هو انشاء مدن تجارية واسواق اقتصادية تمون الداخل والخارج بكل احتياجاته وسلعة الضروريةفهذا النوع من القيادةالبدويةوفي تلك المرحلة الزمنية فضلا عن رؤيتهم للزراعة والتجارة والاقتصاد على انها اشياء حقيرة ويجب الابتعاد عنها ومزاولتها تقعد بالهمة وتاتي بالجبن والعار وتذهب بالشوكة والملك ، بغض النظر عن ذالك فان هذه العائلة التي قادت التحالف العشائري الحديدي ، لمدة ثلاث قرون ليس لديها الامكانية اصلا  للتفكير بكيفية صناعة المدن التجارية ، حتى يقال ان سوقا مدنية مثل مدينة سوق الشيوخ هي كانت من بنات افكارهم التجارية ومن صناعة تدبيراتهم الحربية !!.

 

ثانيا : عائلة كعائلة السعدون التي يذكر في تاريخها ان جدهم الاكبر الشريف حسن الاب المباشر للعائلة الشبيبية قبل ان يتحول اسمهم للسعدون ، قد اختلف مع اخيه من ابيه وامه  بسبب عدم تزويخ الشيخ حسن لابنته من ابن اخيه لأن امه كانت جارية او أمه ما دعى الشيخ حسن لترك دياره والهجرة خارج الديار مثل هذه العائلة وبمثل هذا الموروث القبلي الغارق بالتقليدية الى حد الكفرهل نتمكن من تصورادارتهم واحتضانهم لمدينة هي بالاساس قائمةمن اصحاب المهن والحرف اليدوية والصناعية البسيطة ومن اصحاب المذاهب والاديان والقوميات المتعددة !!.

بمعنى اخر لو اردنا اليوم ادراك عقلية الغزو والقتال والعنف البدوي لماقبل اربعة قرون منذ الان ، فهل نتمكن من اعتبار عقلية المشيخة المنتفجية صالحة لادارة مجتمع تجاري وزراعي وصناعي متطور انذاك ؟!.

أم ان جلّ ما نستطيع تصوره ،هو ان هذا التحالف العشائري كان يفكر بشيئ واحد لاغير هو كيفية الاغارة وصد الاغارة فحسب في حياته التي كانت معاشة ؟.

 

طبعا وللواقع لايمكننا  الا قراءة التاريخ على وضعه الطبيعي ، الذي يشرح لنا طبائع المجتمعات ، واختلاف شخصياتهم وانماط تفكيرهم من حيز اجتماعي الى اخر ، والتاريخ يقول لنا ان مدينة سوق الشيوخ كانت مدينة تجارية تمتهن الحرف وتعتمد على الزراعة ، وتصنع الشبك للصيد ، وتبيع الحلي عند الصاغة ، وتستقطب اليهود بعقليتهم التجارية والصابئة بعقليتهم الصناعية وتستقبل التجار من جميع انحاء العالم وترحب بالقادم الزائر من ايران ، او بالوافد السائح من بغداد كيفما كان ، فهل بعد هذا لشخصية مدينيةكمدينة سوق الشيوخ يمكن تصور قيادةوادارة شيخ بدوي لكل هذا الكمّ الهائل من التنوعات الغريبة والمتناقضة الى حد الجنون مع عقلية كلّ بدوي ، لنتصور في المقابل انه المساهم في انشاء هذه المدينة فضلا عن ان يكون صانعا لها !!.

 

من كل ماتقدم في بحثنا حول نشأة مدينة سوق الشيوخ ، يتضح لنا الكثير من المعالم التاريخية ،  لهذه المدينة التي بالفعل هي بحاجةالى اعادة صياغةكتابة تاريخها في لاسيما في العصرالعثماني بالخصوص الذي نعتقد انه فترة نشأة هذه المدينة التدريجي لنصل الى حلقة استقلالية هذه المدينة الجميلة وصناعتها لنفسها بنفسها لتكون وردة جنوب العراق الجميلة ، ونعم ليس هناك بحث كامل لاتشوبه النواقص والثغرات ، لكننا ابتغينا من بحثنا هذا  لتناول مفردة واحدة ، وباسلوب وصيغة تجمع بين العلمية والتاريخية والفكرية لولادة هذه المدينة ، لنفتح الطريق لبحث ماتبقى من حياة هذه المدينة حتى اليوم ، ولامشكلة توثيقية في تاريخ مدينة سوق الشيوخ بعد قيام دولة العراق الحديثة ولكن الجهد ينبغي ان يبدأ لتلك الاربع  قرون المظلمة من حكم مشيخة المنتفج لهذه المدينة !.

التعليق

آخر الاخبار