عاجل:
مقالات 2009-12-12 03:00 1082 0

ايها المثقفون: اخلعوا (الحنديري) أو أرحلوا

رئيس لجنة الثقافة في البرلمان يقول: الثقافة العراقية في حال “لا تحسد عليه” ونذهب الى تفاصيل الخبر حيث نقرأ ما قاله رئيس

رئيس لجنة الثقافة في البرلمان يقول: الثقافة العراقية في حال “لا تحسد عليه” ونذهب الى تفاصيل الخبر حيث نقرأ ما قاله رئيس لجنة الثقافة والاعلام في البرلمان النائب مفيد الجزائري خلال لقائه أمس الاحد بمثقفين وأدباء في مدينة البصرة ، إن الثقافة العراقية في “حال لا يحسد عليه”، مشيرا إلى أنها لن تعود إلى اهلها بالخير في ظل “هيمنة” الدولة.
وأوضح الجزائري  أن “الثقافة العراقية في حال لا تحسد عليه لعدم وجود اهتمام بالمواضيع الثقافية من خلال تتبعي لهذه الظاهرة”، لافتا إلى أن النخب السياسية “غير معنية بالثقافة بل ليس لها علاقة بها ولا تدرك دورها الاستثنائي في بناء العراق الجديد”.
وتابع الجزائري “أنا لا اتحدث تحديدا عن علاقة الحكومة بالتعامل مع البصرة باعتبارها عاصمة العراق الثقافية لعام 2009، بل اتحدث عن مجمل النشاطات الثقافية للدولة”، معربا عن اعتقاده بأن الثقافة “لن تعود على اهلها بالخير في ظل هيمنة الدولة، بل سيرجعها الى ثقافة الماضي التي تكرس لخدمة الدولة”.
واردف الجزائري أن “المجال الوحيد لتطوير الثقافة هو الابتعاد عن أي نوع من الهيمنة”، داعيا الدولة إلى أن “تتحول إلى معين وميسر للمثقفين وتترك الامر لمبدعي الثقافة”.
نقرأ الخبر قراءة تحليلية ، نعم أن حال الثقافة العراقية لا يسر أبدا، ونقصد بالثقافة مجمل النشاط الثقافي من نشر  وكتاب ورواية وقصة وشعر وفنون أدبية ومسرح وسينما  وتلفزيون  وكل ميادين الثقافة المختلفة
وارتهنت الثقافة طويلاً في بلدنا لصالح السياسة "سلطة ومعارضة" فكانت ترخي بظلاميتها الكثيفة على العقول، فتتحجر وتتخندق ، أو تتبنى الرأي الواحد الأحد ؛ الذي ينطق به الزعيم.
ومن صفاتها: الاختزال، التكفير ،التخوين ، العمالة ، الإقصاء ، التهم الجاهزة لكل زمان ومكان. وفي نهاية المطاف القتل على الهوية . وبتعيينها كذلك صارت عملية تفكيكها تتطلب جهداً إراديا عالياً، وعقلنة ومفهمة الوقائع المتكاثرة المتنوعة، التي لا جامع بينها في الوعيّ التقليدي أو السياسيّ العصبوي . يجمعها ويعطيها مفهومها المحدد الفكر والأصالة الدقيقة فيه، وهي نادرة ندرة السياسة الجادة والفكر المميز في العقد الأخير. وبالتالي ألحقت في العقود المنصرمة الثقافة بالسياسة، والسياسة بالسياسة السلطوية. أو انزوت -الثقافة- في ميادين تخصصية، جزئية لا كلية، أدبية لا نظرية سياسية، عالمية لا محلية، الأبرز فيها غياب النقد للتركيب المجتمعي للبنية المتخلفة ومستويات ترابطها. وباستمرار إلغاء السياسة وتعقيم المجتمع من المعرفة والفكر والنقد . تدفقت على مدى أربعين عاما هي عمر الشمولية ، كثرة من المؤلفات الشعرية والقصصية، فأصبح المناضل هو الشاعر أو الأديب أو القاص. وهي بجانب منها دليل على حيوية المجتمع وأنه ما يزال ينبض بالحياة ضد القائم المستمر بشموليته، ومن جانب أخر يعبر عن تشدد القمع وإحكام الضبط والمراقبة والتحكم بالمجتمع..
في عراق الديمقراطية التوافقية وهي اختراع سياسي لم يسبقنا اليه أحد من قبل، وفي ظل تكاثر سرطانات الهيمنة السياسية على قطاعات الثقافة، وفي ظل أرتداء المثقفين (حنديري) ينظرون من خلاله الى رزقهم المحبوس في ايدي (قادة) أحزاب بعينها، في ظل كل ذلك وفي عالم الكتابة والثقافة والصحافة والطب والفن والتعليم وسائر قطاعات العمل والإنتاج الفكري: إذا كنت موهوباً فسوف تعاقب على المستويين الرسمي والشعبي.. على المستوى الرسمي ، ولأن من هو مسؤول لا يمتلك من الثقافة إلا النزر اليسير فهو يخشاك، ولذا لن يسمح لمواهبك وأفكارك أن تنمو وتتفاعل ، وبيئته بالحقيقة بيئة غير ملائمة لنمو المواهب، بل بيئة ملائمة لنمو الجرابيع ويتحول الموهوب مع الزمن إلى جربوع يسخِّر ذكاءه لعبور قطاعات الغباء ومفازاتها بسلامة.. وهكذا كثرت أعداد الجرابيع الذين استولوا على مفاصل الحياة الثقافية في العراق، حتى على مفاصل العمل الثقافي الحزبي لا ينجح إلا الجرابيع، لأن المسؤول الأعلى لا يفقه إلا لغة الجرابيع..بل تعدوا ذلك الى أنهم راحوا بدورهم يحاربون من كانوا مثلهم لأنهم يشكلون خطراً عليهم،
مرة أخرى أجد أن المثقف العراقي الصالح مقبل على هجرة جديدة، ويبدو أن الثقافة العراقية لا تنمو إلا في المهاجر، لأن الوطن ليس في وارد رعاية الثقافة وأحترامها، وسيضع المثقفون أدمغتهم في حقائبهم ويرحلون إلى أول بلد يحترم مواهبهم، ومن يبقى منهم سينضوي ضمن قطاع الجرابيع الذين تحنطت موهبتهم ضمن فصيلة الثعالب التي لا تتوب ولا تسمح لغيرها بالتوبة.
المفكرون الصالحون وفي أجواء عدم الصلاح يجبرهم تتابع الاحداث وضغوطاتها على أن يضعون أدمغتهم في حقائبهم ويهاجرون، ومن لا يتمكن من الفرار بموهبته وذكائه فسوف يضطر للعمل في بيئة عدوانية لا تتقبل الموهوبين..
الثقافة تعد الجبهة الأخيرة لأي حراك مجتمعي أو سياسي حين يتراجع، فتحتفظ هي بالحدود المعرفية الفاصلة والذاكرة التاريخية، وتأسس للجديد وتبحث في الخطأ في القديم، وتحفز العقل المتشائم بتفاؤل الإرادة، فتجعل العقل المهزوم يتوازن من جديد، ويعيد صياغة نفسه وتأهيل بنيته الفكرية والسياسية والنفسية، وذلك من أجل الدخول في فعاليات التغيير المجتمعي من جديد، بممارسة ترتقي عما كان، وتؤسس لواقع جديد لا يكرر أزمات الطبقات المسيطرة أو أزمات البديل المعارض. والنتيجة أن الثقافة هزمت هنا في بغداد هزيمة نكراء.

التعليق