عاجل:
مقالات 2021-03-24 03:00 348 0

العلامة السيد منير الخباز يكتب عن “انطلاقة الوجود في كلمات الزهراء (ع)” (1)

هناك بحث طرحه بعض علماء الاجتماع حول مبدأ الاعتقاد بالدين من أن هناك فرق بين الشريعة والدين، فالشريعة هي القوانين والتشريعات التي تُنظّم حياة الإنسان، وهي التي عبر عنها ا

المقالات المنشورة تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

هناك بحث طرحه بعض علماء الاجتماع حول مبدأ الاعتقاد بالدين من أن هناك فرق بين الشريعة والدين، فالشريعة هي القوانين والتشريعات التي تُنظّم حياة الإنسان، وهي التي عبر عنها القرآن الكريم بقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، أما الدين فهو الإيمان بمبدأ الوجود، وأن لهذا الوجود مصدرا ومبدأ، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: 30].

من هنا جاء السؤال: متى وكيف نشأ لدى الإنسان الإيمان بمبدأ الوجود؟ فما هي العوامل التي دعت الإنسان إلى الإيمان بمبدأ الوجود وأن لهذا الوجود مبدأً ومصدرا؟ هنا نحن أمام ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: الاتجاه في علم الاجتماع. كيف يتحدث علماء الاجتماع عن نشأة الدين؟ وعن نشأة الإيمان بمبدأ الوجود؟ وهنا نظريات ثلاث:

النظرية الأولى: النظرية الروحية

كيف آمن الإنسان بأن له عنصرين «جسد وروح»، فالإنسان لا يرى إلا جسده، ولكن ما الذي دعاه أن يؤمن أن وراء الجسد عنصراً آخر اسمه الروح؟ الإنسان عندما يتعطل الجسد كما إذا خيّم على الجسد النوم أو الاغماء فغاب الوعي عن الجسد، فإن الإنسان يرى في عالم الرؤى والأحلام أنه يتحرك ويلتقي مع فضاءات وعوالم أخرى، ومن هنا أدرك الإنسان أن الجسد حتى لو غاب عنه الوعي ـ لنوم أو إغماء ـ فإن هناك عنصراً آخر ما زال واعيا، فإن هناك عنصراً آخر ما زال له إدراك ووعي ولذلك آمن بأن وراء الجسد روحاً، فعندما يغيبُ الوعي عن الجسد تبقى الروح تُمارس وعيها وإدراكها من خلال فضاء الأحلام والرؤى التي يراها الإنسان؛ ولأن الإنسان يمتلك روحا إذن وراء الروح روحاً أكبر، فهذه الروح تختص بهذا الجسد، وللجسد الثاني روح أيضا، فهذا الوجود أيضا له روح كلية تتحرك فيه وراء هذه الروح الجزئية لهذا الإنسان ولذاك الإنسان.

فالنظرية الروحية ترى أن طريق الإيمان بمبدأ الوجود هو الإيمان بالروح، فمن آمن بالروح انطلق إلى الإيمان بالروح الكلّية ألا وهي المعبر عنها ب «مبدأ ومصدر الوجود».

النظرية الثانية: النظرية الروحية

وهي النظرية الطبيعية، وهي النظرية التي أدركها البدوي في الصحراء، وأدركها الفلاح في مزرعته، وهي النظرية التي تنطلق من دورة الطبيعة، فالإنسان عندما ينظر بنظرةٍ بَدْوية أولية ويرى دورة الطبيعة، فالشمس يعقبها القمر، والليل يعقبه النهار، وترجع الدورة مرة أخرى، والبذرة تتحول إلى شجرة، ثم ترجع بذرة مرة أخرى، فهذه الدورة التي يُلاحظها أمامه فإن من خلال الدورة الطبيعية يستدل على أن هناك مبدأ وهناك منتهى، وإن هناك مبدأ لهذه الدورة يوما من الأيام وهناك منتهى لهذه الدورة يوما من الأيام ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: 104]، فبما أن لهذه الدورة الطبيعية مبدأ ومنتهى إذن لها الوجود مبدأ، فإن هذا الوجود كله يعيش دورة طبيعية تنطلق من مبدأ وتصل إلى المنتهى.

النظرية الثالثة: النظرية العاطفية

أقوى غريزتين يعيشهما الإنسان هما غريزة الخوف وغريزة الطموح، فإن كل إنسان يخاف مهما بلغ من درجة الاطمئنان والسكون والاستقرار فإنه يخاف من شيء واحد، فهو يخاف من الفناء ويخاف من يوم الرحيل ويخاف من يوم الانطلاق إلى عالم آخر، وهذا مبدأ يُخيفُ كلَّ إنسان، فإن كل إنسان إذا التفت إلى أَنَّهُ سَيَنْتَهي يوماً من الأيام تتحرك عنده غريزة الخوفِ وعاطفةُ الخوفِ فيخاف، وهناك غريزةٌ أخرى وهي غريزةُ الطموح، فكل إنسانٍ عنده طموح أن يبقى وأن يُخلّد وأن يتمتع بِقُدراتِه وطاقاته إلى أبعد مدى، فكيف يجمع بين هاتين الغريزتين؟

وهنا ذكر بعض علماء الاجتماع وأشار لهذه النظرية الفيلسوف «راسل» من أن الإنسان من هنا انطلق للإيمان بالدين، ومن أن هناك مبدأً يؤمن له الخوف ويزرع فيه حالة الاطمئنان والهدوء، لماذا أنت خائف؟ أنت ارتبط بمبدأ خلّاق وقوة عظمى كبيرة جدا، فإذا ارتبطت بها ستقتلع القلق من قلبك وستؤمن لك الخوف وستحرز حالة الاطمئنان والهدوء إذا اعتقدت بهذه القوة، فلا تخف من الموت فإن تلك القوى إذا ارتبطت بها ستعبر بك البحر وستوصلك إلى شاطئ الأمان، وستنتقل من هذا العالم القصير إلى عالم طويل تحقق فيه طموحاته وأحلامك ورغبتك في البقاء والاستمرار، فالإيمان بالدين من أن لهذا الوجود مبدأ هو الذي يحميك وهو الذي يهبك القوة وهو الذي ينقلك من عالم إلى عالم بكل راحة، فإن هذا الإيمان هو الذي سيوجد لك انسجاما وتوفيقا بين غريزة الخوف وغريزة الطموح ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].

العلامة السيد منير الخباز

التعليق