عاجل:
مقالات 2010-08-04 03:00 760 0

العراق من الوعي القومي الى الوعي الوطني

لقد مر الوعي العراقي عبر مراحله التاريخية بأدوار. نشأ فيها تبعا ً لمحيطه وبيئته والتي غالبا ً ما تكون بيئة مستوردة و دخيلة

لقد مر الوعي العراقي عبر مراحله التاريخية بأدوار. نشأ فيها تبعا ً لمحيطه وبيئته والتي غالبا ً ما تكون بيئة مستوردة و دخيلة وبعيدة عن عادات أرضه  وسكانه,فنرى من خلال ذلك غيابا ً تاماً للحس الوطني وبالكاد تسمع منْ يحدثك عن عراقيته ووطنه ولربما يكون الوطن آخر الاهتمامات , ففي القرون المنصرمة السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر كان الوعي الطائفي هو المسيطر على الوعي العراقي , فهو متأثر ومرتبط إرتباطا ً وثيقا ً بالصراع الصفوي العثماني والذي كان العرقيون مقاتلون بالنيابة عن إحدى القوتين والتي كانتا في الحقيقة قوتين محتلتين , فحينما يندلع الصراع بينهما نرى العراقيون يتقسمون الى معسكرين طائفيين تنحاز كل ُطائفة الى معسكرها التي تنتمي اليه فالسنة مع العثمانيين دائما ً وكذلك الشيعة مع الصفويين, ولم يكن هناك أدنى تفكير بالبعد القومي أو الوطني آنذاك, وهذا ليس على صعيد العرب فحسب بل يشمل الاكراد كذلك , ولربما كان البعد الوطني والقومي  خارج دائرة تفكير الوعي العراقي , فالناس لا يعرفون شيئا ً عن مصر أو سوريا إذبان تلك الفترة , فكان جل إهتمامهم ينحصر بتركيا وإيران فالعراقي هو من ينحافظ على مصالح هاتين القوتين, ولعل دخول سليمان القانوني أو نادر شاه الى العراق وخروج الناس لأستقبالهم كمحررين وتقديم فروض الطاعة والولاء لهم  يثبت  هذا الذي نذهب اليه, وبقي الحال على ماهو عليه حتى نهايات الدولة العثمانية تقريبا ً وصعود القوميين الاتراك الى مسرح السياسة,  ففي عام 1908م بدأت البوصلة تتجهة الى القومية وذلك بفضل الاستفزاز الذي أحدثه تأسيس جمعية الاتحاد والترقي ومن ثم تاسيس حزب الحر المعتدل عام 1912م في العراق, وكليهما كانا حزبين طورانيين يدعوان الى سيادة العنصر التركي , فينخرط فيهما العراقيون دون معرفة أهدافهما وبرامجهما السياسية ليكتشفوا في النهاية  أن لهم خصوصيتهم القومية وهويتهم الاثنية هنا وجد الوعي العراقي أنه خارج المعادلة فبادر بتأسيس جمعية المشور التي لم تستمر طويلا ً لأنها جاءت نتيجة ردة فعل على عمل مستنفِرْ, ومن ثم أخذت صيحات القومية العربية تتعالى بعد الحرب العلمية الثانية وأتجهت بوصلة الوعي نحو الغرب بعد أن كانت متجهة نحوالشرق ليغادر الوعي العراقي الطائفية الى القومية وبدات الحركة القومية تخطو خطوات مهمة للسيطرة على الوعي العراقي خصوصا في العقد الثالث والرابع والخامس والسادس الذي يمكن ان نطلق عليه ( عصر الصحوة القومية )  فتأسست مجموعة من الاحزاب القومية وطغت التسميات القومية على الاحزاب  مثل التنظيم القومي العربي وحزب الوحدة العربية وحركة القوميين العرب وحزب البعث العربي والحرس القومي ومؤتمر القوميين الاشتراكيين وحزب الوحدة الاشتراكي وغيرها, وبعد أن سيطرت الاحزاب القومية في العام 1963م على مقاليد الحكم في البلاد وإنتكاست أو وأد المحاولة الوطنية التي قادها الزعيم عبد الكريم قاسم  أصبح الوعي العراقي قوميا ً في الغالب, وكان لعبد الناصر أثره في حركة الوعي القومي وبقي الحال حتى العام 1990م حينما إجتاحت القوات العراقية ( صدام )  دولة الكويت فتبخرت شعارات الوحدة العربية ومعها القومية العربية  , وبدأ يدب في الشارع العراقي وعيا ً جديدا ً ملتصقا ً ببيئته ومحيطه ويحمل خصوصيته الوطنية على أثر  مشاركت القوات العربية والدول العربية بالهجوم الدولي على العراق وساهمت في الحصارالذي دام أكثر من 12 سنة وقاسى العراقيون فيه مرارات ومعانات أوصلتهم الى الاملاق وارجع بلدهم الى عصور التخلف فقد أحدثت هذه الامور شرخا ً كبيرا ً في الوعي القومي للعراقيين فشعر العراقيون أنهم وحيدون بمواجهة الفقر والجوع وظلم النظام الذي ساعده العرب كثيرا لبسط سيطرته على العراقيين وخصوصا ً بعد ان إنتفض العراقيون في العام 1991م ( الانتفاضة الشعبانية ) على هذا النظام الذي أدخلهم بحروب عبرت دماؤهم من خلالها الى الفراغ ولم يجنوا من وراءها إلا ان يكونوا منبوذين وفقراء, رغم أنها كانت تحمل شعارات الدفاع عن العرب والبوابة الشرقية  , فكان الدور العربي في الانتفاضة مخيِّب لآمال العراقيين بعد ان أخذت طائرات النظام تقصفهم وبمساعدة عربية منطلقة من خلفيه طائفية , وما ان حل العام 2003م حتى جاءت مرحلة القطيعة والمغادرة من الوعي القومي الى الوعي الوطني حينما ظهرت تصريحات المسؤولين العرب وهي تتعامل مع العراقيين على أساس طائفي وليس قومي كتصريح الرئيس المصري والملك الاردني ووزير الخارجية السعودي ووزير الخارجية الاردني ( المعشر ) وغيرهم, ورفض المنظمات العربية مساركة العراق بفعالياتها ونشاطاتها كأتحاد الكتاب والادباء العرب ,  ناهيك عن فتاوى التكفير التي إنطلقت من علماء هذه الدول وكان للارهاب الذي شارك به  بعض العرب أثره الكبير في ترسيح الوعي الوطني فقد ارتفع شعار العراق اولا ً وأصبحت القومية والحركة القومية  من آثار الماضي, وبنظرة سريعة على الاحزاب العراقية التي تأسست منذ العام 1990م و بعد السقوط يرى انها بمجملها تحمل اسماء وطنية وشعارات وطنية وبعيدة عن القومية باستثناء الاحزاب الكردية فلها خصوصيتها المستقلة وظروفها الخاصة وهي ردة فعل طبيعية , فاذا كانت عقود الثلاثينات والاربعينات الى نهاية الثمانينات عصر الصحوة القومية فان عقد التسعينات من القرن المنصرم والعقد الاول من القرن الحالي هو عصر الصحوة الوطنية والوعي الوطني المفضي الى المواطنة.

التعليق

آخر الاخبار