عاجل:
مقالات 2010-07-21 03:00 873 0

الحلم المقدس وأثره في تأسيس الدول وإشعال الحروب

الحلم ُ فسحة ٌ رومانسية جميلة لكثير من الناس خصوصا ً أؤلئك المحبطين , فهو يمثل بالنسبة ِ لهم طوق النجاة أو بصيص

الحلم ُ فسحة ٌ رومانسية جميلة لكثير من الناس خصوصا ً أؤلئك المحبطين , فهو يمثل بالنسبة ِ لهم طوق النجاة أو بصيص الأمل أو المتخيل  الذي يترقبونه ولو كان للحظات , لذا يجنح الكثيرون الى تصديقها(  أي هذه اللحظات )  ولو كانت أضغاث أحلام , وقد يبالغ البعض  في تصديقه للرؤيا ويحاول أن يثبت أنها حقيقة, عندئذٍ تتحول لا شعوريا الى ثابتةٌ من الثوابت ومسلَّمة ٌ لا يمكن نقاشها فقد إختزنت في اللاشعور وأصبحت جزأً منه. وعلى عادت السياسيين في إستغلال المغفلين من الناس في تحقيق طموحاتهم في التسلط والحكم تنطلق حكاية الرؤيا  المختلطة بالمقدس ليتحول الى حلم مقدس واجب التحقق , وبما أن هذا الحلم يشكل مسلمة في اللاشعور فيتم تصديقه على إعتباره جزء من العقيدة, ولابد  من العمل لأجله لأن الله هو من يحققه وما الناس إلا وسيلة وآله. فقد أعتقد الصوفيون على سبيل المثال أن النوم يقظة واليقظة نوم ويقولون إن النفس البشرية مشغولة أثناء اليقظة بصور المحسوسات وهموم البدن وأما في النوم فينجلي عن بصرها الغشاء وتحلق في سماء المعرفة طليقة لا يشغلها شاغل, وهذا القول يدل على أن ما يراه الأنسان هو عين الصدق والحقيقة. فما يراه الإنسان في نومه هو عبارة عن كشف للنظر .فعلى أساس هذا التفكير يكون الحلم وسيلة سهلة بالنسبة للسياسيين للوصول الى الغاية فهو لايحتاج الى أيدولوجية يقنع بها العامة فالحلم هو أيدولوجية جاهزة ومريحة,  ومن الجانب الآخر  فهو لا يحتاج الى  المال اللازم لتحقيق الفكرة, فالحلم المقدس هو مشروع  ذو  تمويل ذاتي, أي أن الناس يندفعون الى تمويل فكرة الحلم لجعلها حقيقة  . وبعد مرور الأيام والسنيين وعند إكتشاف زيف السياسي يرجع هؤلاء المغفلين مرة أخرى ليلعنوا الحاكم والسياسي والحلم الذي أوصله معا ً . وفد تكرر هذا المشهد كثيرا في التاريخ الإنساني مرات عديدة,  ولربما كان ديدن ومنهج السياسيين فقد إدعى الكثير من الطامحين بالتسلط أنه رأى حلما مقدسا ً يدعوة الى يناء دولة أو    القيام بحرب أو غزو أو تبرير ا ً لجرائم إرتكبها او ما الى ذلك وأن كثير من هذه الأعمال قد بنيت على أساس الأحلام وتفسيرها , فقد ذُكر في العهد القديم وفي سفر دانيال على وجه التحديد أن نبوخذ نصر قد رأى حلما ً في السنة الثانية لحكمه  فأنزعجت روحه وطار عنه نومه, وكان الحلم يدور حول أمنية لبوخذ نصر في  تأسيس مملكة عظيمة تضم كل ممالك العالم وأسماها بمملكة ( المسيا ) ويذكر في الاصحاح الثاني في الاية 31 من سفر دانيال أن نبوخذ نصر كان يراوده الحلم مرارا ً, وبما ان الملك يمثل الآلهة فأن حلمه من الله ولا يمكن ان يخطأ فنراه مصمم أن يحقق حلمه ولا يسمح لأي أحد أن يفسر له الحلم بما لا تشتهي نفسه ولعل الآيات من 2-13 توضح ذلك بجلاء حيث يهدد نبوخذ نصر العرافيين والكهنة بالقتل إن لم يفسروا الحلم حسبما يشتهي حيث يقول (  قد خرج مني القول أن لم تنبئوني بالحلم وبتعبيره تصيرون إرباً إرباً وتُجعل بيوتكم مزبلة. وان بيّنتم الحلم وتعبيره تنالون من قبلي هدايا وحلاوين وإكراماً عظيماً فبيّنوا لي الحلم وتعبيره ) هذه الجملة الأخيرة تبين أن هؤلاء الجبابرة يصلون الى غاياتهم عبر المقدس وهي ايسر الطرق, وينقل لنا التاريخ أن أحد الجبابرة وهو ( تيمور لنك)  ولُنك كلمة فارسية تعني الأعرج هذا الرجل بعد أن قتل المئات وسفك الدماء وعاث في الارض فسادا ً مرض في آخريات أيامه فكأنما أحس بما أقترف من جرائم وأراد أن يبرر ما ما قام به فقد رأي حلما ً مقدسا ً , فقد روى ابن حجر الهيثمي الشافعي في كتابه ( الصواعق المحرقة في أهل البدع و الزندقة) في الفصل الخاص بمناقب أهل البيت إن تيمور لنك لما مرض مرضه الذي توفي فيه أضطراب اضطرابا ً  شديدا واسود وجهه وتغير لونه ثم أغمي عليه وأفاق وقال لمن حوله من الناس : (إن ملائكة العذاب أتوني فجاء رسول الله فقال لهم: اذهبوا عنه فإنه كان يحب ذريتي ويحسن إليهم فذهبوا ) حينما خلط تيمور لنك حلمه بالمقدس أراد ان  أن يوهم الناسليصفحوا عنه وأن يثبت للآخرين أن ما قام به مبرر وأن بحبه للنبي وآله فقد  محييت عنه سيائته  ولعله يعلم بخلاف ذلك , والى اليوم يعتقد البعض أن من يعمل السوء ويحب النبي أو يواليه فلا يضره ذلك ما دام يحتفظ بحبه للنبي وآله , وياله من تفسير غريب رده الأمام الرضا عليه السلام في واقعة شهيرة حدثت في ايام المأمون وهي ثورة أخيه زيد الملقب بـ ( زيد النار ) الذي حرق بيوت أهل البصرة وارآق الدماء وحينما القي القبض عليه قال له الأمام الرضا ( يا زيد أغرك حديث أهل الكوفة السفهاء حيث قالوا أن فاطمة أحصنت فرجها فأحصنت ذريتها من النار ) الى آخر الحديث , ولعل الشاه محمد رضا بهلوي واحدا ً من الذين استغفلوا عقول الناس حينما كان يوهمهم بالمقدس وهو يفعل الأعاجيب. وسأنقل هنا مقالبلة صحفية مع الشاه من قبل صحفية إيطالية ليتضح تفكيرهؤلاء الجبابرة .                                                                        

 قال شاه ايران للصحفية الإيطالية:

أنا لم أكن وحيداً فريداً بل تسعفني قوة لا يتمكن أن يراها أحد، قدرة خفيّة باطنية وإنني أستقي منها أوامر دينيّة، لأنني مبدئي وملتزم جداً، وكنت مع الله وأنا في الخامسة من عمري، يعني أنه كنت ألهم من ذلك الزمان.

الصحيفة: إلهام، يا صاحب الجلالة؟

الشاه :نعم الهامات.

الصحيفة: من أي شيء؟ وممّن؟

الشاه: آه أتعجب منكم لأنّكم لا تعرفون شيئاً حول هذا الموضوع، الكل يعلم ويعرف ما كنت أرى من رؤيا، فاني كنت ألهم في رؤياي، وكانت إرهاصات في أوائل عمري عند ما كان عمري خمس سنين، والثانية في السادسة من عمري، ففي الأولى رأيت الإمام الحجة (عجل الله فرجه) الشخص الذي على أساس مذهبنا غائب وسوف يأتي وينقذ العالم، وذلك عندما حدثت لي حادثة ووقعت علي صخرة فحال الإمام عليه السلام بيني وبين الصخرة وإني رأيته بعيني لا في الرؤيا وأنا الوحيد ممن رآه .

الصحيفة: إنّي لا أدركه واقعاً، إني لا أتمكن أن أهضم كلامك، هذه الوقائع والرؤى وإلالهامات لا مفهوم لها عندي.

الشاه: لأنك لا تعتقدين بالله، حتىّ أنّ أبي كان لا يعتقد بهذه الأشياء وكان يستهزئ بها ويسخر منيّ، ولكنّي أنا أعتقد بالله، وإنّي منتخب من طرف الله لإنقاذ بلادي، وسلطنتي أنقذت البلاد لأن الله كان ناصري دائماً، وليس من الصحيح أن أنسب كل الأعمال والانجازات الكبيرة إلى نفسي لأني أعلم بوجود شخص آخر ورائي يسندني وينصرني وهو الله. يدعي هذا الرجل أن  الإمام الحجة يأتيه ويلتقيه ويعلمه , لأنه يعلم أن الشعب الإيراني يؤمن بهذه الأمور ولو كان في شعب ٍ  مسيحي أو يهودي لتحول الحلم الى السيد المسيح او النبي موسى أو لربما الى أبليس لو كان يحكم من يعتقدون بالشيطان.فالحلم عند هؤلاء ينسجم مع معتقدات شعوبهم . ينقل أن مير ويس وهو قائد أفغاني قضى على الدولة الصفوية وقاد حربا ً قتل فيها الكثير منة الرجال والنساء ومن النهب والسلب  قام بهذا العمل على أساس رؤيا رأها عندما كان في الحج ونام عند قبر النبي وشاهد النبي يقلده سيفا ً , فاستيقط مير ويس فرحا ً كما يقول الدكتور الوردي في لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث الجزء الأول الصفحة 100 أن هذا الرجل إعتقد أ، النبي أذن له في قتال العجم ونهب أموالهم وسبي ذراريهم, فكان لهذا الحلم أصره في إشعال حرب ضروس وقد إستند مير ويس على  إعتقاد شائع وهو ان النبي يراه أحد إلا حقا ً ولا يتمثل في شخصه الشيطان, وبعد  فترة من الزمن  يعود السيناريو السابق ولكن لـ   نادر شاه  الذي وهو أحد ملوك إيران وكان جبارا ً وسفاكا ً ولا يوجد في قلبه شئ من الرحمة وهو يتلذذ في القتل وهو الذي قضى على الافغان  وأخرجهم من إيران,  فعندما اراد ان يغزو العراق  رأى حلما ً مشابها لما رآه مير ويس , ولكن هذه المرة الأمام علي يقلد نادر شاه سيفه ذو الفقار ويأمره بأحتلال العراق , لأن الجيش الذي يريد ان يقاتل به نادر شاه جيش شيعي ومحيط شيعي , فلابد ان يكون الحلم مطابقا ً ومقنعا ً لما يعتقد به ذلك الجيش والمحيط ويتكرر مشهد الحلم المقدس لكثير من الطامحين بالسلطة , فالدولة العثمانية مثلا ً قامت على حلم ورؤيا رآها أرطغرل عندما زاره الجنيد  فرأى حلما في تلك الليلة وهو ان النبي محمد يسلمه الراية وقطعة بيضاء ويأمره بالدفاع عن الاسلام ,  فقصه على الجنيد الذيكان يزوره فقي تلك الليلة ويالها من مصادفة عجيبة ,  ففسره له   بأنه سيبني ملكا عظيما ويؤسس دولة   تكون من أكبر الدول , والغريب ان في كل مره يرى هؤلاء من رجال الدين من يفسر لهم الحلم  ويعقدون الصفقات معهم من أجل تحقيق الحلم الذي يكون رجل الدين منظره الأول . فزوج أرطغرل بنته الى مرشده الروحي وتعاهدا على بناء الدولة التي سميت فيما بعد بالدولة العثمانية . والحديث يطول لو اردنا الاسهخاب في الامثلة ولكن أقوا أن هذا الأمر لم يقصر على المسلمين فحسب بل كان الجبابرة الأوربين يستغلون ذلك كفردناند ووشارلمان وقلب الاسد وغيرهم , وما الحلم إلا وسيلة  غش عالية الفعالية يستخدمه هؤلاء للوصول الى غاياتهم وللسيطرة على الفقراء والجهلاءمن اجل استغلالهم ونهبهم باسم المقدس .

التعليق