رهبة السقوط في تونس ومصر خلف زلزال مدوي في المنطقة العربية مما جعل الزعماء تدرك حجم المخاطر التي تؤطر عروشهم وتهدد كياناتهم البالية التي عاشت على أفقار الشعوب وأهدار مقدراتها المالية ومصادرة حقوقها السياسية والشخصية . هذه الرهبة جعلت حكام الشعوب العربية ان تسوق المزيد من التنازلات الى شعوبها بشعارات فضفاضة وتعديلات طفيفة في مفاصل أجهزتها القمعية, من أجل ترضية الشعوب الغاضبة. وتلك الرهبة من السقوط لانظمة القمع دفعت الحكام الى تشكيل غرفة عمليات مشتركة تعمل على أستشارات قمعية للثورات والثوار وتطرح فيها البدائل والحلول وتتكون من مستشارين وخبراء أمنيين ووعاظ السلاطين وأدوات قمع.
رغبة المجازفة
رهبة السقوط في تونس ومصر دفعت الحكام والزعماء العرب الى رغبة في المجازفة لمواجهة الضربة الثورية للشعوب الغاضبة, بعصا الجهاز الامني وجزرة السلطان. فبعد هزيمة بن علي ومقاومة مبارك من خندق بائس واستشارات متهالكة عبر الهاتف تنهال من حكام العرب التي خلقت له حالة من التخبط وعدم الفهم لمطالب الشارع حتى خضع في نهاية المطاف الى هضم رغبة واصرار الشارع وقد خسر الرهان ووقعت الهزيمة.
والحكام الدكتاتوريين يميلون الى رغبة المحاولة على الانخراط في حراك المجازفة وخلق بيئة للأمان تمنحهم نشوة البقاء على كراسيهم, ولكن الشعوب مشدودة بشوق الى الحرية ومنازعة الحكام على السلطة التي خطفت بصورة غير شرعية من الشعوب صاحبة الاحقية بها ومصدرها الاصلي. والرغبة في المجازفة تدفع الحكام الى أعداد المزيد من السيناريوهات التي تحيٌد الثورات وتشوه وجهها النقي من خلال دس سم السلطات القمعية بعسل الثورات الشعبية. فقد تم أعداد مجاميع من البلطجية والمؤجورين المسلحين من رجالات الامن السري بثياب مدنية . لنهب المؤسسات وحرق المحال التجارية ونهب البنوك والمتاحف والسطو المسلح على المخازن والشركات وأطلاق سراح السجناء وأرهاب العوائل الامنة وسفك الدماء في الشوارع والطرقات. لكي تخلق تلك السلوكيات حالة من الأرباك والفوضى في المجتمع التي تدعو بعض شرائح المجتمع ذوي المواقف المتذبذبة والمترددة من الثورات بدعوة الجيش للتدخل لصالح النظام القهري بأعتباره أكثرا أمنا وحفاضاً على البلاد من تلك الفوضى.
هذا المجازفة تعتبر آخر محاولة يقوم بها الدكتاتور للانتقام من الشعوب الثائرة فهو يبقى يناور بين المزيد من التنازلات والضرب بعصا البلطجية من أجل منح نفسه لحظات أخيرة يحفظ بها ماء وجهه. ربما تنجح تلك المحاولات الشيطانية التي يقوم بها بعض الحكام التي لاتعير أهمية لدماء شعوبها ولا الى المواثيق والقوانين الدولية التي تحرسها القوى العالمية التي تنظر الى مصالحها اكثر من أرادة الشعوب ورغباتها.