عاجل:
مقالات 2010-01-19 03:00 605 0

البعث والعمالة.. سجالنا ليوم القيامة

اكتنف المشهد العراقي عبر التأريخ، مفاهيم مغلوطة على كافة صعده الثقافية والدينية وحتى السياسية والى يومنا هذا، تمظهرت

اكتنف المشهد العراقي عبر التأريخ، مفاهيم مغلوطة على كافة صعده الثقافية والدينية وحتى السياسية والى يومنا هذا، تمظهرت بعناوين شتى ابرزها التصنيف على حساب الهوية الفكرية وليس الانتماء الجغرافي لمعنى مفردة الوطنية.
لذا ارتبطت الوطنية العراقية حسب الاهواء السلطوية لدى الحقب الحاكمة في تأريخ العراق الحديث، ووصل الامر إلى تمزيق البنية الاجتماعية العراقية (تأريخيا). فاصبح هناك وطني حقيقي..، ووطني مشكوك بوطنيته المشروطة بمدى الطاعة للسلطة الحاكمة.
فالعراقي الذي يحمل هوية الانتماء الديني للمذاهب (السنية) في حقبة نظام القرية الصدامية، مع التزامه بشروط الطاعة المطلقة لهذه الزمرة الضالة، كان المواطن الحقيقي بنظر الدولة والمحيط العربي على وجه الخصوص.
اما العراقي الذي يرتبط دينيا إلى المذهب الجعفري (الشيعة) او منتميا إلى القومية غير العربية سواء كان (كرديا او تركمانيا.. وغيره ) فكان يعامل على اساس الطاعة المطلقة لارادة الزمرة الحاكمة آنذاك.. فاذا كان مخالفا لذلك التوجه ولو باطنيا، فهو عراقي غير وطني ، وتهم العمالة بشتى انواعها (المجوسية والفارسية) جاهزة لقتله وسلخه من جذوره التي تمتد لالاف السنين في ارض الرافدين.. وان كان مطيعا قلبا وقالبا للنظام واربابه، فهو العراقي المشكوك بوطنيته، ويبقى تحت تجربة الولاء في تحديد معيار انتمائه إلى هذا الوطن المشكك دائما بأبنائه!.
كل هذه الترسبات الطائفية والاثنية وما افرزته الممارسات السلطوية في استنهاض تلك الترسبات استثمرت اليوم انتخابيا، في اطلاق التوصيفات الدعائية ضد الخصم الانتخابي بوصفه حسب التفريق الموروث ـ كما اشرنا اليه سابقا ـ اما بعثي (سني) او ايراني عميل (شيعي)، والتهمتان جاهزتان للاغتيال المباشر (جسديا) او بغير المباشر (بالتشهير والاقصاء).
ومما ساعد على تفعيل تلك التوصيفات الدعائية (المشينة) على الساحة العراقية، هو الاحتلال الانكلو امريكي الذي يسعى من خلال ادواره المتبادلة سياسيا في دعم احدى الطائفتين على حساب الاخرى، والتشكيك بوطنيتها، كما هو الحال في الدور الذي تلعبه بريطانيا مع السنة العرب، والدور الامريكي الذي يمثله الدعم لكل من الشيعة والكورد على المستويين العام والخاص. من اجل حصد نتائج سياسة (الفوض الخلاقة) الامريكية في الابقاء على المجتمع السياسي العراقي مشتتا، وذيوع الطائفية السياسية بين مفاصله.
التشكيك بالوطنية سلاح الاستعمار الحديث في تفرقة اواصر المجتمعات المستهدفة على المدى البعيد، وهو ابرز الاسلحة الفتاكة التي استخدمتها الادارة الامريكية بالاستشارة مع بريطانيا، في بناء المجتمع السياسي الحديث في العراق الجديد... وللاسف تم زيادة فاعلية وشراسة ذلك السلاح الفتاك عبر السلوك السياسي العراقي المغلوط في بلورة خصومة سياسية طائفية وليست خصومة تقاطع المصالح. وهو مانشهده اليوم من استخدام ورقة (اجتثاث البعث) او ورقة (العمالة السياسية) كاوراق ابتزاز وتصفية سياسية لا اكثر، والتي تدخل ضمن التشكيك بالوطنية العراقية من حيث تشعر تلك الكيانات السياسية بذلك او لاتشعر.
افراغ المحتوى العراقي من الشعور بوطنيته الحقيقية، تعد مقدمة عملية لتمزيق العراق واضعاف وحدته الوطنية داخل اثنيته ومذاهبه المتنوعة، فضلا عن سلب اقوى سلاح في معركة المواجهة مع اعداء التغيير العراقي الجديد في المنطقة.
كيف يمكن للشاب الذي يعيش في جنوب العراق وشماله ان يدافع عن مكتسبات بلده وهو مشكوك بانتمائه له بالعمالة مع ايران او بجذوره الفارسية، كذلك كيف يمكن للشاب الذي تربى في احضان البادية الغربية والوسطى من العراق، ان يتهم بتفضيل القومية العربية (البعث) على الخصوصية العراقية بانه خائن ومطرود من ساحة العراق الجديد بكل تفاصيله.
لماذا لانأخذ العبرة من وطنية المجتمع الامريكي، وهو الاقرب إلى التشكيك باصالة الانتماء الجغرافي لمواطنيه، فالهجرة والتعدد الاثني والقومي هي ابرز مقومات انشاء المجتمع الامريكي الذي لايجد معنى لكلمة الوطنية ان لم يصاحبها الاعتراف بحرية الانسان وفصل الايمان بشيء عن الانتماء الحقيقي للوطن.
جدلية (التبعيث) و( العمالة) لايران ستبقى حاضرة في اذهان الساسة العراقيين ما دامت الطائفية السياسية هي الطاغية على المشهد العراقي، وسيبقى العراق ضعيفا ويمد يده للاجنبي مادام ابناؤه مقسمين على الشعوب المجاورة في التعريف والانتماء. ولعلها جزء لايتجزأ من اللعبة السياسية التي تمارسها العولمة اليوم في سلب أي خصوصية لاي شعب، واعادة تصنيف تلك الشعوب بعد سلخها من وطنيتها بمقياس فكر وثقافة القطب الواحد في العالم المتعولم ثقافيا قبل ان يكون سياسيا.

التعليق