عاجل:
مقالات 2009-08-10 03:00 808 0

الأغنية الوطنية في العراق تراكم ذاكرة سلبية

تعتبر الأغنية الوطنية إحدى إيقونات الوطن المحببة للشعوب, والتي تُعَبر عن هوية الفرد الوطنية والجغرافية, كما أنها تؤرخ لمقطع زمني

تعتبر الأغنية الوطنية إحدى إيقونات الوطن  المحببة للشعوب, والتي تُعَبر عن هوية الفرد الوطنية والجغرافية, كما أنها تؤرخ لمقطع زمني يمر به الوطن وتتغنى بمآثر الارض والانسان, فهي محطة من محطات تراكم الذاكرة الوطنية, وقد استعمل الإنسان هذا اللون من الفن منذ القدم للتنبيه عن مكنونات الحس الإنساني إتجاه الأرض التي يعيش عليها, - ولو كان محصورا ً ومقتصرا ً على الحروب لشحذ الهمم في النفوس للدفاع عنها-  , لذا أصبحت بعض الأغاني الوطنية علامة مميزة للشعوب ترددها حناجر الصغار والكبار , ومن هنا يتسابق الفنانون ليسجلوا في سيرهم الذاتية ومسيرتهم الفنية  نشيد وطني, او أغنية وطنية ليكونوا في عدادالخالدين , ويعتبر هذا العمل الفني نوع من أنواع الدفاع عن الوطن , فالفنان هو جندي يدافع عن أرضه من خلال تكريس حب الوطن والارض في نفوس الجماهير , وإثارة معاني الخير و يحاكي الفنان من خلال الأغنية الوطنية وجدان ومشاعرالناس ,  وما النشيد الوطني للدول الحديثة إلا مثال على ذلك, فلا توجد اليوم دولة ليس لديها نشيد وطني, فالدولة العراقية مثلا ً حينما تأسست لم تستغني عن هذه الإيقونة الرمز فشهد العام 1922م أول نشيد وطني عراقي – بدون كلمات- ,ولكن للأسف لم يكن عراقي الهوية فقد أعده قائد موسيقى الجيش ( الإنكليزي ليوت .أ. شافون) لذا لم يكتب لهذا النشيد البقاء , فسرعان ما بدل بعد قيام ثورة 14 تموز الى نشيد جديد وهو( وطني 1958م -1965) ولم يلبث هذا النشيد طويلا ً ولم يكن بوسع العراقيين ان يحفظوه حتى غير بعد الإطاحة بالزعيم قاسم الى نشيد ( والله زمن ياسلاحي 1965م-1981م ) كلمات لويس زنبقة والحان كمال الطويل وهو بالاصل أغنية لأم كلثوم وسبب التغيير يرجع الى ان العقل السياسي العراقي ارتبط في تلك الفترة بسياسة المشروع القومي وغياب المشروع الوطني , ولعل ذلك يرتبط بضعف الحس الوطني او عدم وضوح الهوية الوطنية ومشروعها, وما أن أنشبت الدكتاتورية أظفارها حتى بات الوطن و المشروع الوطني مختزل في شخص الدكتاتور فتم تغيير النشيد السابق الى نشيد يتغنى بالدكتاتور وامجاده وهو( وطن مدى على الافق ) كلمات شفيق الكمالي والحان وليد غلمية, ففقد النشيد الوطني سمته التي وجد من أجلها,ولذلك لم يبقى هو الآخر ليتغير الى النسيد الحالي ( موطني ) كلمات إبراهيم طوقان والحان محمد فليفلي وهوالآخر ليس إفرازا ً عراقيا ً بل هو بالاصل أغنية فلسطينية,  وللأغنية الوطنية دور مهم في دعم المشروع الوطني وهي مسؤولية تقع على عاتق رواد الفن والادب وبالخصوص حينما يمر البلد بظروف صعبة , لذا يتحول بعض الفنانين الى رموز وطنية خالدة  ترتبط أسمائهم بالوطن , ولعل أهم أدوار الفن هي زراعة الحب والسلام في المجتمع الإنساني , ولكن هناك مقومات وشروط للأغنية الوطنية ليكتب لها الخلود والبقاء  ,ولكي تكون إنعكاس طبيعي لمشاعر الشعوب وأحاسيسهم ومولودا شرعياً لهم, واهم تلك المقومات هي :                         
                         
1-أن تكون الاغنية الوطنية منتمية للارض التي ولدت عليها.                         
2- أن تكون معبرة عن هموم وهواجس وطموح الجماهير.                           
3- أن ترمز الى الوطن وترابه وأبناءه جميعا  دون غيرهم.                          
                         
4- أن تستثير مكامن القوة في الشعوب.                                                   
5- أن تتغنى بأمجاد الوطن وان تكون مصدر فخر لأبناءه.                            
ومن خلال هذه المقومات أتسائل هل تنطبق هذه الموصفات على الاغنية الوطنية العراقية؟ وهل أدى الفنان العراقي دوره في تنضيج الهوية الوطنية وتكريس دور المواطنة ؟ فلو استعرضنا الاغنية الوطنية منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة في عام1921م  ولحد الآن لوجدناها  أغنية  لم تولد من رحم المبدع العراقي ولم تعكس همومه وطموحاته, و ليست لها علاقة بالوطن إلإ ما ندر منها فالكثير منها تغنى بمآثر القائد والزعيم ففي الفترة الملكية لم تتوضح معالم الاغنية والوطنية بالشكل الذي يسمح بظهورها كترنيمة شعبية , ولكنها اصبحت واضحة المعالم في زمن الزعيم  الوطني عبد الكريم قاسم فهو أول عراقي حكم العراق منذ سقوط بابل سنة  612 قبل الميلاد, فتغنى الشعراء والفنانين بالزعيم فكانت الحصة الاكبر له وهذا شئ يمكن تفهمه بعد عصور من القهر والاضطهاد والاحتلالات ولكن لم يتغير منحى الاغنية الوطنية في العراق في زمن الرئيس عبد السلام عارف فقد كانت الاغنية (سلامية) أكثر منها وطنية ولعل الاغنية المشهورة ( أحمد ومحمد وحسين وبشرى وعدوية    أولادي وأغلى من العين وغالين عليه) دليل على ذلك فهي تذكر أولاد الرئيس وتتمجد بالرئيس دون سواه وهذا الاتجاه في الاغنية الوطنية جعلها تتحول الى أغنية مدح لفرد وليست للوطن , وما أن جاءت الحقبة الدكتاتورية السوداء حتى تحولت الأغنية الوطنية الى تزلف وتملق رخيص  للدكتاتور , وهنا أورد قضية لأحد الفنانين والمبدعين العراقيين الذي كتب على أبداعه وفنه بالاندثار لأنه ارتبط اسمه بأغاني القائد  كما كانت تسمى وبهذا فقد الوطن مبدعا ً وحرم العراق من تراكم في الذاكرة الوطنية وهوالآن مركون في أرض الشتات ولعل نفسه قد ذهبت حسرات على عمله ذاك,لأن تاريخ الشعوب  لا يسجل من أساء اليه إلا بما يستحق, كما هو يكرم المبدعين من أبناءه, ولعل  أكبر تكريم يحظى به المبدع العراقي اليوم هو كتابة وتلحين اغنية وطنية او نشيد وطني تردده الأجيال ويكون رمزا للعراق ولشعبه أسوة ً بشعوب العالم , ولعلنا نحتاج الى تراكم ذاكرة إيجابية  حرمنا منها لزمن طويل ,ومن أجل ذلك كان لابد لأعمالنا الابداعية ولمبدعينا أن يرتبطوا  بالوطن دون سواه وان يكون إبداعهم لشعوبهم فكل أبداع لايكون إفراز عن المجتمع والإنسان يكون يكون مولودا ً غير شرعي وغريب ٍ عنه, فالخلود يكمن بالابداع الملتصق بالجماهير وبالارض ,فالاغنية الوطنية جزء ٌ من هذا الابداع, والمبدع هو أحد أهم أعمدة بناء الذاكرة الوطنية الإيجابية . فالذاكرة السلبية أحتفظت بالكثير من التشوهات والمواليد الغير شرعية فكانت نتيجة مقطع زمني اتسم بالقهر والأستبداد , ذلك المقطع الذي أجبر المبدعين على قول ما لا يؤمنون به, كما اتسم بالذاكرة السلبية للوطن , ذلك المقطع الذي خشيَ به المبدع على روحه وإبداعه , فاليوم المبدعون مدعوون دون غيرهم لبناء ذاكرة أيجابية  للعراق ذات روح عراقية وطنية ولاءها للعراق وللعراق وحده.              

التعليق