عاجل:
مقالات 2010-01-07 03:00 598 0

إلى الأخ السيد الدكتور برهم صالح المحترم / رئيس وزراء حكومة إقليم كُردستان العراق

منذ ثلاثة أشهر تقريباً توليتم مسؤولية رئاسة حكومة إقليم كُردستان العراق , وهي مهمة ومسؤولية كبيرة حقاً , ولدي القناعة

منذ ثلاثة أشهر تقريباً توليتم مسؤولية رئاسة حكومة إقليم كُردستان العراق , وهي مهمة ومسؤولية كبيرة حقاً , ولدي القناعة الشخصية بأنكم قادرون على النهوض بها بما يتناغم ومصالح شعب كُردستان خصوصاً والشعب العراقي بكل مكوناته عموماً.  كما أتمنى أن تجدوا الدعم والتأييد الكامل لوضع وإنجاز برنامج يسهم في صياغة وجهة عملية التحول الديمقراطي سياسياً واجتماعياً وثقافياً في كردستان العراق والعراق عموماً.

كنت وما أزال أتابع مسيرة كُردستان العراق على امتداد الفترة المنصرمة , وخاصة في أعقاب تحرير الإقليم من هيمنة حزب وحكم البعث والطاغية صدام حسين وعلي حسن المجيد (كيماوي) , ومن ثم في أعقاب سقوط النظام الدكتاتوري. وكنت أمارس الكتابة والنقد بشأن التجربة والمسيرة الكُردستانية حين أجد ذلك ضرورياً , سواء من خلال تبيان الجوانب الإيجابية المتحققة أم الإشارة الواضحة للجوانب السلبية التي كانت ولا تزال تستوجب التغيير أو التعديل أو التحسين من منطلق الحرص على هذه التجربة التي لا تمس الإقليم والعراق حسب , بل وبقية الدول المجاورة التي فيها شعب كُردستان وأقاليم كُردستانية.

ولا شك في أن ملاحظاتي كانت وستبقى بطبيعة الحال وجهة نظر شخصية تحتمل الخطأ والصواب. إلا أن من واجب العاملين في الشأن العام أن يمارسوا هذه المهمة , مهمة الإطلاع والمتابعة وممارسة النقد البناء الذي يفترض أن يسهم في تعزيز المسيرة الديمقراطية والتقدمية والبناء المستديم في الإقليم وفي عموم العراق.

لا شك في أن إقليم كُردستان العراق قد قطع خلال السنوات الأربع المنصرمة شوطاً طيباً في حفظ الأمن والاستقرار والسلام في الإقليم وحقق نجاحات ملموسة في مجال البناء والعمران بشكل عام وفي إقامة مشاريع البنية التحتية وتأمين بعض الخدمات العامة التي لم يتم تحقيقها حتى الآن في بقية أنحاء العراق , وهي نتيجة تحسب لصالح حكومة إقليم كُردستان. ولكن هناك الكثير من المسائل التي تستوجب المعالجة من خلال تدقيق السياسات السابقة لتأمين مسيرة أكثر قوة وتبنى على قاعدة مادية متينة لا تهتز بسهولة وتصبح نموذجاً للبناء في بقية أنحاء العراق؟ والسؤال هو: هل هذا ممكن في أوضاع كُردستان الراهنة؟ الجواب: نعم , لو بادرت حكومة الإقليم ووضعت سياسة جديدة منسقة بين مختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية على أسس ديمقراطية بحيث تنسجم مع متطلبات الوضع الجديد , أي لو بادرت حكومتكم بدراسة جادة لتجربة السنوات المنصرمة وتوقفت عند كل مفاصلها الأساسية وتفاصيلها ودققت في نجاحاتها وإخفاقاتها وما يفترض أن يتخذ من إجراءات لمعالجتها خلال السنوات الأربع القادمة مثلاً ووضعت إستراتيجية تنموية جديدة ذات جانبين:

الجانب الأول يرتبط بواقع إقليم كُردستان العراق وحاجاته وطاقاته وما يمكن أن يتحقق فيه , والجانب الثاني يستوجب الأخذ بالاعتبار أهمية استمرار وتطوير العلاقة العضوية الضرورية بين إقليم كُردستان العراق وبقية أنحاء العراق الفيدرالي في مجمل عملية التنمية الاقتصادية والبشرية والبيئية , أي أهمية التنسيق والتكامل بين السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية باعتبارهما اقتصاداً واحداً , بما في ذلك اقتصاد النفط الخام , وسوقاً وطنياً واحداً.

حين أطرح تصوراتي الشخصية لا أتقدم بتصور متكامل وجاهز , بل أطرح أفكاراً أضعها في خدمة الحوار داخل حكومة الإقليم وفي المجتمع الكُردستاني وعلى مستوى العراق , أي أنها جملة من الأفكار والملاحظات التي تستهدف التحفيز على الحوار بأمل الخروج بنتائج تخدم المسيرة التي يفترض أن تكون ديمقراطية تحقق مصالح مكونات الشعب في إقليم كُردستان العراق وعلى مستوى العراق , رغم ما سأطرحه هنا يمس إقليم كُردستان بالأساس , إذ أن الرسالة المفتوحة موجهة إلى جنابكم باعتباركم رئيس وزراء الإقليم.

لقد تم تقليص عدد وزارات حكومة الإقليم من خلال إلغاء أو دمج بعضها بالآخر, وهو أمر إيجابي حقاً. إلا أن هذا التقليص يلقي على عاتق السيد رئيس الوزراء والسادة الوزراء مهمات إضافية لوزارات كانت قائمة وذات مهمات محددة , وبالتالي لا بد من اتخاذ إجراءات تسهم في سد الثغرات المحتملة في هذا المجال لصالح التنفيذ الأفضل للمهمات وعمل الوزارات. وفي الوقت نفسه يفترض أن يستند عمل الحكومة إلى قواعد ومعايير عمل ثابتة ومستقرة ومتطورة بتطور عمل ومهمات حكومة الإقليم , وهو أمر لا يخفى عليكم بحكم تجربتكم السابقة في السليمانية وفي بغداد.

من متابعاتي الشخصية أدرك بأن رئيس الحكومة يحتاج إلى كادر علمي متخصص يحيط به وليس إلى ديوان يديره شخص واحد بغض النظر عن كفاءة هذا الشخص أو ذاك , بحيث يتوزع العمل على الكادر المتخصص وفق القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية... الخ والمهمات المشتركة في ما بينها بما يساعد على تأمين وضوح الرؤية في ما يجري في الوزارات المختلفة والعلاقة في ما ينتج عن عمل تلك الوزارات. وهذا يعني بدوره ما يلي , رغم أن ما أشير إليه يفترض أن يكون من البديهيات التي غابت عن العمل بشكل عام :

1.    مجلس الوزراء بحاجة إلى اجتماعات دورية أسبوعية أو نصف شهرية منتظمة , كما أخذتم بهذه القاعدة حالياً , على أن يعد لها بشكل جدي جدول عمل وموضوعات مهيأ لها جيداً بحيث يمكن معالجة الأمور بتفاصيلها وأن لا تترك الأمور معلقة ولا يعرف من المسؤول عن التنفيذ أو المتابعة. إن تباعد الاجتماعات وعدم دوريتها وضعف إنجاز جداول عملها يقود بالضرورة إلى التسيب والعفوية وعدم الاهتمام بأهمية تلك الاجتماعات.

2.    مجلس الوزراء بحاجة إلى برنامج عمل يضم إليه برامج الوزارات أو مهمات كل الوزارات خلال السنوات الأربع القادمة والتي توزع بدورها على السنوات الأربع وعلى الفصول الأربعة في كل سنة.

3.    أن يكون لمجلس الوزراء مكتب متابعة من المتخصصين. يتابع هذا المكتب مدى تنفيذ تلك الوزارات والمؤسسات التابعة لمجلس الوزراء لمهماتها وأين تحصل الاختناقات وأين تكمن العقد التي تستوجب الحل بصورة علمية أو فنية أو إدارية , وكيف تسير عمليات معالجة تلك الاختلالات. إذ أن غياب المتابعة ينسي المهمات وينسي حصول اختناقات , وتنعكس سلباً على واقع الحال وليس على مجلس الوزراء وحده , ولكن في المحصلة النهائية يتحمل رئيس الوزراء قبل غيره مسؤولية الإخفاق بسبب ضعف أو عدم وجود متابعة منهجية لعمل ومهمات وبرامج الوزارات.

4.    إن وضع برامج وجدولة العمل والمتابعة الدقيقة والمباشرة ثم الأخذ بمبدأ تحفيز الهمم والمحاسبة والمكافئات التقديرية للوزارات والمسؤولين لها والعاملين فيها لها دورها الكبير في تنفيذ المهمات وفي المبادرة والإبداع , إضافة إلى الزيارات المباشرة لرئيس الوزراء لوزاراته واللقاء بكل منهم على انفراد لمعالجة مشكلات كل هذه الوزارات ذات أهمية فائقة لتبيان الاهتمام الفعلي من جهة , وشعور الوزير بمسؤولياته من جهة ثانية.     

5.    ولا بد من ممارسة العمل الديمقراطي مع العاملين في جميع الوزارات من خلال تنشيط دور المسؤولية الفردية والجماعية إزاء عمل كل وزارة وكل الوزارات في آن , إذ بدون ذلك يصبح الاهتمام شكلياً في الوزارات , في حين تستوجب الضرورة تنشيط كل العاملات والعاملين في كل وزارة.

6.    وهذا يصح على أهمية وضرورة اللقاء بأجهزة الإعلام ومنظمات المجتمع المدني لتنشيط حالة الرقابة على عمل الوزارات وتشجيع عملية النقد البناء والمسؤول والمنطلق من مصلحة المجتمع أولاً وقبل كل شيء دون محاباة أو مجاملة او سكوت على الأخطاء والنواقص والبيروقراطية القاتلة.

7.    لقد اعتاد العاملون في المكاتب الخاصة لرئيس الوزراء أو الوزراء , كما عو معروف على نطاق واسع , تقديم تقارير لا تعبر بالضرورة عن حقيقة ما يجري على صعيد الإقليم أو الوزارات. وهذا ينطبق على العراق كله. وغالباً ما يحاول هؤلاء تقديم تقارير ترضي المسؤولين وتبهجهم وتريحهم , وكأن كل شيء هادئ في الجبهة الغربية , في حين أن كل شيء متحرك في تلك الجبهة وربما يسير من سيء إلى أسوأ دون أن يعلم رئيس الوزراء بما يجري في وزاراته. ولهذا قيل قديماً بحق "الثقة جيدة , ولكن الرقابة أجود".

8.    أنا واثق جداً من أنكم , وكذلك السيد نيچرفان بارزاني, رئيس وزراء الإقليم السابق , وكذلك السيد رئيس الإقليم , تعرفون بوجود مشكلات كثيرة وكبيرة تستوجب المعالجة والحل , أشير إلى بعضها الأهم فيما يلي:

أ‌.       وجود كثرة من الأشخاص يحتلون مواقع وظيفية لا يستحقونها , في حين أن هناك أشخاصاً آخرين يستحقون تلك المواقع , ولكنهم مبعدون عنها لأسباب حزبية أو علاقات قرابة أو غيرها. وهو أمر يفترض أن يتغير بصورة منهجية من خلال مجلس خدمة نزيه ومستقل ويعتمد العلم والكفاءة والمواصفات الضرورية لكل وظيفة.

ب‌.   إرساء قواعد العمل الإداري العلمي في الوزارات والمؤسسات الحكومية كافة , تتسم بالشفافية والوضوح وتلتزم بمعايير علمية معروفة. 

ت‌.   رفض العمل وفق معايير مزدوجة تمارس اليوم إزاء الأشخاص والمواقف والتي تؤثر سلباً على موقف المجتمع من الحكومة ومن إجراءاتها التي تميز بين الأفراد والمواقف , ومنها الامتيازات المتكررة التي تمنح للوزراء أو أقارب من هم في الحكم مثل توزيع الأراضي السكنية لعدة مرات.

ث‌.   التشابك غير المقبول بين مهمات الأحزاب الحاكمة ومهمات الحكومة بما يجعل الحكومة يتحمل نواقص وأخطاء الأحزاب الحاكمة , أو أن الأحزاب تتحمل نواقص وأخطاء الحكومة.

ج‌.    معالجة  الفجوة الناشئة بين الحكومة وبين الفئات الشعبية أو عموم المجتمع والتي تطرقت إليها في مقالات غير قليلة خاصة بأوضاع كُردستان العراق.

ح‌.    استمرار وجود الفساد المالي على نطاق معروف لكم ولا يخفى على كافة المسؤولين الكبار والذي تم الوعد بمكافحته عدة مرات ومن جميع كبار المسؤولين ولم يتحقق حتى الشيء القليل في هذا الصدد.

خ‌.    إن الأوضاع الأمنية غير المستقرة في وسط وجنوب العراق ألزمت كثرة من المتخصصين الانتقال إلى  إقليم كُردستان العراق للعمل هناك. وقد غطت هذه الحالة نقصاً كبيراً في الكادر العلمي والمتخصص في الإقليم. إلا  أن هؤلاء يمكن ان يتركوا العمل في فترة لاحقة وحين تحسن الوضع الأمني والاستقرار في الوسط والجنوب , وبالتالي سيتركون فراغاً في كُردستان لا بد من الأخذ بالاعتبار هذا الأمر والعمل على تكوين الكادر المناسب الذي يمكنه الحلول محل من يغادر كُردستان لمناطق أخرى في العراق.

د‌.      الأهمية الفائقة لإعادة النظر بالعلاقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية. ومبادرتكم التي ظهرت قبل فترة وجيزة في هذا الصدد مهمة. وإعادة النظر لا تقتصر على حكومة الإقليم , بل تشمل الحكومة الاتحادية أيضاً , إذ أن حل المشكلات العالقة يحتل أهمية كبيرة في نشوء وضع طبيعي متقدم في العلاقات بين الطرفين.

ذ‌.      خلال الدور البرلمانية السابقة لم تكن هناك قوى سياسية معارضة متبلورة في إقليم كُردستان العراق. ولكن خلال السنوات الربع المنصرمة , ولأسباب موضوعية وذاتية طبيعية , نشأت معارضة سياسية وذات برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي واضح , بغض النظر عن مدى تطابقه أو اختلافه عن برامج الحزبين الحاكمين. وهذه المعارضة ممثلة في برلمان الإقليم. ومثل هذه الحالة الطبيعية يفترض أن تتحمل حكومة الإقليم مسؤولية التعامل الديمقراطي الواعي والمسؤول مع المعارضة السياسية بما يؤدي إلى نشوء تقاليد ديمقراطية في هذا المجال الحيوي وبروز معارضة موضوعية تمارس النقد البناء والفعال لسياسات الحكومة أو سياسات ومواقف البرلمان. ويمكن للحكومة أن تلعب دورها الفعال في إنجاح هذه التجربة الجديدة على إقليم كُردستان ولصالح الإقليم والمجتمع الكُردستاني. فرأي الأقلية يفترض أن يحترم ويعامل بصورة جدية بأمل المنافسة للوصول نحو الأفضل لصالح الشعب.    

لا شك في أن معرفة هذه الأمور وطرحها من جانب المسؤولين أمر مفيد لتوصيف الحالة , ولكن الأهم هو السياسات والإجراءات العملية الملموسة والمباشرة التي تساعد على تجاوز تلك المشكلات وإقناع المجتمع بجدية الحكومة في مكافحة العلل القائمة.

السيد رئيس الوزراء المحترم

أود الآن أن أبدي بعض الملاحظات حول قضايا التنمية الاقتصادية في الإقليم والتي أرجو أن تحظى بعنايتكم.

من متابعتي لتصريحاتكم ومشاريع المقترحات التي قدمتموها إلى مجلس الوزراء العراقي أو خطبكم في المؤتمرات الدولية التي عقدت بصدد العراق , إضافة إلى سياسة إقليم كُردستان خلال الفترة المنصرمة تبين لي , وأرجو أن أكون مخطئاً ,  بأنكم لا تعطون موضوع التصنيع في العراق عموماً وفي إقليم كُردستان خصوصاً أهمية تذكر , بل تركزون على التقسيم الدولي الرأسمالي الراهن للعمل الذي يهدف إلى إبقاء الدول النامية , ومنها الدول النفطية _والعراق أحدها_ , مستهلكة للسلع المصنعة المستوردة من الدول الصناعية المتقدمة ومصدرة للنفط الخام , مستندين في ذلك إلى موقف فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي غير مؤيد للتصنيع أو من التنمية الصناعية بشكل عام في الدول النامية. وقد أبديتم والسيد رئيس وزراء الإقليم السابق اهتماماً خاصاًُ بتجربة "دبي" التي ليست بالنموذج الملائم لها ولا للعراق أو للدول النامية. وما الأزمة الأخيرة العميقة التي تمر بها سوى البرهنة الإضافية على فشل هذا النوع من التطور الاقتصادي المشوه الذي لا يبنى على قاعدة مادية متينة تساهم في تحقيق الوحدة العضوية والديناميكية في العملية الاقتصادية والاجتماعية في البلد.

إن إقليم كُردستان العراق محاط بدول جوار لها موقفها الخاص من الإقليم ومن الفيدرالية في العراق , وهذا الموقف يستوجب من الإقليم جهداً إضافياً لتأمين عدة مسائل جوهرية , منها:

1.    إيجاد علاقات متينة وجيدة مع الحكومة الاتحادية في بغداد من خلال العمل المشترك والتنسيق في السياسات الاقتصادية والاجتماعية وفي المواقف , وهذه العلاقة بمثابة شارع باتجاهين.

2.    بناء قاعدة اقتصادية تستند إلى التصنيع الحديث وتحديث الزراعة والتكامل بين هذين القطاعين على صعيد كُردستان والعراق.       

3.    الاستفادة القصوى من موارد العراق المالية لتطوير قطاع الدولة , ولكن في ذات الوقت الاستفادة القصوى من إمكانيات القطاع الخاص المحلي والإقليمي والدولي بما يسمح في تعجيل عملية التنمية المتعددة الجوانب وتأمين الأمن الغذائي بشكل خاص والعمل للمجتمع.

4.             الاهتمام بقطاع النفط الخام لا على أساس التصدير حسب , بل ومن أجل استثماره في عمليات التصنيع المحلي وبالتنسيق مع الحكومة الاتحادية لتعظيم الثروة الوطنية.

5.             بالرغم من توفر الظروف الموضوعية والمادية لبناء الكثير من القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة لتعزيز قدرة الإقليم على الاكتفاء الذاتي النسبي إستراتيجياً, إلا أن الإقليم يبقى عاجز عن سد الجزء الأكبر من متطلباته. وهنا تبرز أهمية التنسيق والتكامل مع بقية أنحاء العراق. ومن الجدير بالذكر تتوفر إمكانيات جيدة لقيام صناعات ناجحة في قطاعات المواد الإنشائية والصناعات الزراعي والغذائية والمنسوجات والوقود ومنتجات الصناعة النفطية.

6.             يتمتع الإقليم بموارد طبيعية تؤهله لاحتلال موقع متميز في مجال السياحة والنشاطات والصناعات المرتبطة بها , ومنها صناعة الفندقة. وتزداد أهمية هذا القطاع بتحسن مستوى المعيشة في العراق إذ سيكون له مستقبلاً زاهراً حقا ليصبح واحدا من أهم مصادر الثروة والتشغيل وتكوين طبقة متوسطة مزدهرة.

7.             ويفترض أن تلعب سياسة التجارة الخارجية والسياسات المالية والنقدية دورها في توفير مستلزمات تنفيذ عملية التنمية الصناعية والزراعية والتنمية البشرية في آن , لا أن تكون سياسة التجارة الخارجية عبئاً على ميزانية الإقليم ومستنزفة ومستهلكة للدخل القومي وبعيدة كل البعد عن تحقيق التراكم الرأسمالي الضروري لإغناء الثروة الوطنية في الإقليم.

8.             وتزداد الحاجة للعناية بالبيئة والمشكلات التي نشأت بسبب سياسات النظام الدكتاتوري وحروبه الداخلية والخارجية وتدميره للكثير من المناطق الطبيعية التي تستوجب العناية الفائقة.

9.             تبقى الحاجة ماسة في إقليم كُردستان العراق إلى وجود مفوضية تتعاون بشأن شؤون حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وملاحقة مشكلة العنف ضد المرأة أو المخالفات التي تقود إلى ضياع حقوق المجتمع والفرد , وهي إشكاليات ترتبط بمدى جهدنا لتطوير المجتمع المدني ومؤسسات المجتمع المدني.

إن التهميش الذي لحق بكُردستان خلال العقود المنصرمة يفترض أن ينتهي مع وجود حكومة قوامها من أبناء الإقليم لا أن يتواصل التهميش الاقتصادي من خلال إهمال التنمية الصناعية وتحديث الزراعة أو تأمين التكامل والتنسيق بينهما والاعتماد على الاستيراد لا غير. إذ أن مثل هذه السياسات تواجه بطالة حقيقية في المستقبل بين بنات وأبناء الشعب في الإقليم.

إن كل التجارب السابقة تؤكد بأن السياسة في منطقة الشرق الأوسط لها الأولوية على كل المجالات الأخرى. وهذا يعني إن بإمكان الجيران تطبيق سياسة تطويق إقليم كُردستان العراق متى وجدوا ذلك مفيداً لأهدافهم السياسية. وهذا الهاجس الفعلي يستوجب تطوير صناعات تعتمد بشكل خاص على المواد الأولية المتوفرة في الإقليم , ومنها النفط وخامات أخرى وعلى الزراعة بسبب خصوبة الأرض الجيدة في الإقليم وتطوير محاصيل تخدم التنمية الصناعية, وأن تلعب التجارة الخارجية دور المنشط في هذا المجال من خلال تنفيذ سياسة استيراد تنشط التنمية لا تعرقلها. إن الأمن الغذائي مسألة ذات أبعاد سياسية واجتماعية يفترض أن يؤخذ جدياً بالاعتبار من جانب الحكومة.

ومن هنا تنشأ أيضاً أهمية التنمية البشرية التي يفترض أن تأخذ بالاعتبار أهمية تكوين قدرات علمية وفنية ومهارات مهنية وعملية في مستويات مختلفة ولجميع فروع الاقتصاد الوطني والبحث العلمي, والذي يتطلب تحديد القبول في الفرع الإنسانية لصالح تلك الفروع التي تخدم التنمية والبحث العلمي.

إن المسح الجاري في إقليم كُردستان حول الموارد الأولية المتوفرة في الإقليم يفترض أن ينتهي بوضع خطة بعيدة المدى أو آفاقية وخطط خمسية وسنوية لإغراض تنمية الاقتصاد الوطني وتوزع مشاريع هذه الخطط على القطاعات الاقتصادية من حيث الملكية (عام وخاص ومختلط وإقليمي وأجنبي) ..الخ.

لا أطرح في هذه الملاحظات العامة تصوراً متكاملاً , بل أفكاراً عامة رغبة مني في تحريك الجو للنقاش وتبادل المعلومات في ما بين الباحثين والعاملين في السياسة والاقتصاد والمجتمع في الإقليم. وأتمنى أن تحظى بعنايتكم.

أرجو لكم النجاح في أداء مهماتكم وتحقيق طموحات شعب كُردستان في الحرية والديمقراطية والتقدم والازدهار.

مع خالص الود والتقدير

التعليق