عاجل:
مقالات 2009-12-12 03:00 724 0

إشكالية التعايش في المجتمعات الاسلامية ـ الحلقة الأولى

هناك جدل صاخب يدور حول مفهوم التعايش و التقريب والذي دعاني لسبر غور هذا الموضوع هو فساد العلاقات بين مكونات

إشكالية التعايش في المجتمعات الاسلامية
الحلقة الأولى (1)

COEXISTENCE
PROBLEMATIC IN THE ISLAMIC SOCIETiES

هناك جدل صاخب يدور حول مفهوم التعايش و التقريب والذي دعاني لسبر غور هذا الموضوع هو فساد العلاقات بين مكونات الجسد الواحد وما يحدث من مماحكات وصراع وتناحر وإستنهاض مقيت لغرائز القومية والطائفية والاثنية في بقاع مختلفة من العالم الإسلامي.فالأسئلة المطروحة في هذا الجدل هي هل أن إشكالية التعايش في المجتمعات الإسلامية تكمن في الخصوصيات أم في الثوابت أم في الإثنين معا ً, أم في الثقافة والموروثات الاجتماعية
( العادات والتقاليد) أم في نظرياتنا التربوية الدينية , وهل التعايش يعني الذوبان في الآخر وإلغاء الخصوصيات والإستغناء عن الثوابت , وهل نقصد بالتعايش المصطلح السياسي أم الأقتصادي أم نعني به التعايش الديني الحضاري الثقافي , وللأجابة عن هذه الأسئلة لابد لنا  من تعريف المصطلح وتحديده أولا ً, فتعريف المصطلح يضع أيدينا على المفتاح لفهم العلاقة بين المفاهيم المتقدمة وبالتالي لفهم الموضوع الذي بين ايدينا.    .                                                                                                                          
فالمصطلح كما عرفه علماء اللغة هو لفظٌ يضعه أهل عرفٍ أو اختصاصٍ معيّن ليدل على معنى معيّن يتبادر الى الذهن عند اطلاق ذلك اللفظ . ولو رجعنا الى المعنى اللغوي للتعايش، الذي هو أصل المصطلح  ، نجد في المعجم الوسيط ، كلمة تعايشوا :  أي عاشوا على الألفة والمودّة، ومنه التعايش ، وعَايَشَه : عاش معه. والعيش معناه الحياة، وما تكون به الحياة من المطعم والمشرب والدخل, و جاء في معجم (لوبوتي لاروس)  ان التعايش يعني قبول رأي وسلوك الآخر القائم على مبدأ الاختلاف و إحترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية والدينية، فالتعايش وجودٌ مشترك لفئتين أو جماعتين مختلفتين, وهو يتعارض مع مفهوم التسلط والأحادية والقهر والعنف.                    
  وإذا أمعنا النظر في مدلولات مصطلح التعايش الذي شاع في هذا العصر، والذي ابتدأ رواجُه مع ظهور الصراع بين الكتلتين الشرقية والغربية اللتين كانتا تقسمان العالم إلى معسكرين متناحرين قبل سقوط جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفياتي،نجد أن البحث في مدلول هذا المصطلح يقودنا إلى جملةٍ من المعاني تحتمل مفاهيم متضاربة ولكن يمكن أن نقسمها الى ثلاثة مفاهيم رئيسية هي:                                                                  
     
      
التعايش السياسي الأيديولجي :
وهو العمل على إيجاد قنوات إتصال عن طريق الحوار للحد من الصراع  و إحتواء الخلاف , ويمكن أن نعبر عنه بتعايش الضرورة  أوالحاجة التي تقتضيها الحياة ومصالحها أو ما يطلق عليه بالعايش السلمي , وأول من أطلق هذا المفهوم بالمعنى المتقدم هو الرئيس السوفياتي السابق ( نكيتا خروشوف)2 .  
التعايش الأقتصادي:
هو تعاون بين المجاميع البشرية متمثلةًً بحكوماتها ويُحدد في الأطُر القانوية والاقتصادية من أجل المصلحة والمنفعة المتبادلة.
التعايش الديني  و الثقافي و الحضاري : وهو عملية البحث عن المشتركات ونقاط التقاء الارادات في قضية ما وتقريب المصطلحات والمفاهيم المشتركة , وهي عملية بحث دائم نحو المشترك ورفض الخلاف , وبمعنى آخر هو عملية إنفتاح نحو الآخر من خلال لغة واحدة ذات مفردات مختلفة ولهجات متعددة, وبتعبير آخر هو تعاون في المشترك الحضاري والإنساني المستند الى لغة الحوار الهادئ بعيدا ً عن إستنهاض غرائز الصراع والكراهية , فالبحث عن مشتركات الخير  هو مانقصد به التعايش الذي هو صورة عن إستقرار السلوكيات الاخلاقية الإجتماعية , وهو رسالة الاديان جميعا ً بل هو صوت الفطرة الانسانية. والمفهوم الأخير هو ما يهمنا في هذا البحث لذا سيكون تركيزنا عليه دون سواه .
التعايش بين وحدة الولاء وتعدديته:
تنحصر إشكالية التعايش الديني الحضاري  في مجتمعاتنا الإسلامية في الولاءات العمودية المتعددة مثل الطائفية و القبلية والإثنية والدينية المشوهه لتصل الى الولاءات القبلية , وهو ما يمكن تسميته (بطغيان التقاليد على التعاليم ) أي طغيان الخصوصيات على الثوابت , والانتقاد الأساسي لهذه الولاءات هو تناقضها مع المشترك الأكبر وهو الولاء الإنساني  المتصل بالولاء العام وهو الولاء لتعاليم السماء أي لله  الذي يقول في كتابه الكريم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)  ولتعارفوا تعني لتعايشوا على أساس الولاء لله فالتعايش هنا ليس مبنيا ً على غرائز الشر بل مستند الى قوى الخير الكامنة في النفوس البشرية التي يفجرها الولاء الأكبر, فالولاءات المتعددة عائق أساسي أمام التعايش الحضاري وبالتالي هو العقبة الكأداء امام التطور للوصول الى مجتمع حضاري إنساني, ولعل الصورة التي رسمها القرآن الكريم لوحدة الولاء وتعدديته توضح ما نذهب اليه . يقول الله سبحانه وتعالى ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )  ولننظر الى كلمتي  (ولي ) و كلمة ( أولياء)   فالأولى للذين آمنوا تجمعهم وحدة الولاء وهي الايمان بالله المفضي الى النور والحياة والعاقبة الحميدة, وأما الآخرون فتفرقهم تعددية الولاء المنتهية الى  الظلام , والظلام هنا تعبير ٌ عن عدم الاستقرار والتخبط  ونخلص الى القول أن وحدة الولاء من الثوابت و ما عداها خصوصية يمكن ان تتبدل.

التعليق

آخر الاخبار