عاجل:
مقالات 2009-08-23 03:00 732 0

أهم مزايا السياسة في العراق

من مزايا سياستنا في العراق أنهم حين يختلفون يطلقون النار على بعضهم البعض وليس علينا (( المس بيل))

من مزايا سياستنا في العراق أنهم حين يختلفون يطلقون النار على بعضهم البعض وليس علينا ((  المس بيل))

يبدو أن السِّياسية البريطانية المعروفة المس بيل قد خَبَّرت المجتمع العراقي فكتبت ما ملخصه وهي تعني السياسيين وليس الشعب بالتأكيد, أنهم إذا   أختلفوا أنشغلوا ببعضهم البعض تاركين عدوهم , بمعنى آخر أن ثقافة الإختلاف عند السياسيين العراقين تنقلب الى ثقافة موت و عراك وإلغاء الآخر ,فلا مكان للحوار في العقل السياسي العراقي , ويبدو ان عالم الإجتماع العراقي الدكتور علي الوردي إستند الى تلك المقولة حينما قال أن العراقيين يكرهون السياسة ,فالسياسة في العقل السياسي العراقي تعني السلطة وليست الدولة ,والسلطة هي غاية للتسلط وفرض الرأي بالقوة وليس وسيلة لتحقيق بناء الدولة , من هنا يبدو ان لا مكان للاختلاف والتعددية ,ولا مكان لقبول الآخر , ولعل المثل العراقي ( لو ألعب   ... لو أخربط الملعب ) ينطبق على هذا الحال تماما ً , فحين نتفق أيدولوجيا ًو نختلف ستراتيجيا ًيسعى كل ٌ منا الى إقصاء الاخر بوسائل أقل ما يقال عنها إنها  لا أخلاقية , فالتشهير والتسقيط وكيل التهم من دون دليل أضعف الوسائل ولكن العلاج الانجع لدينا هو إطلاق النار على بعضنا البعض, فالاختلاف ليس مصدر إثراء للعقل السياسي , ولا يعني في أي حال من الاحوال عملية بناء بل هو الموت في قاموسنا السياسي ’لهذا  يكون تراكم الذاكرة العراقية  مبتورا ً ومنقوصا ً ,فقلما نجد حلقات متصلة من فترة زمنية سابقة لفترة زمنية لاحقة وهذا ينطبق على كل المجالات ليست السياسية فحسب بل حتى على الصعيد الثقافي والفكري والعمراني فهناك حالة من الإنتقام تتملك العقل العراقي وحالة إنعدام لمساحة الحوار  , فالحوار ظاهرة ٌ  حضارية تتسم بها الأمم , والاختلاف سمة ٌ العقول النيرة, ولكن للحوار أدب وللإختلاف قواعد, فلا يعني الحوار التسقيط والصاق التهم للخصم دون براهين وأدلة كما لا يعني الحوار التفجير والتفخيخ والقتل , فقد عرًًَّف إفلاطون السايسة بأنها فن إدارة المجتمع , فقد تحول هذا الفن في القاموس السياسي العراقي الى فن التسلط على المجتمع , فما حدث في الاربعاء الدامي عكس صورةًَ من صور هذا الفن الساقط وأظهر هبوط لغة الحوار بين العراقيين حينما يبيعون وطنهم لمن يدفع ويعرضون شعبهم في سوق نخاسة دول الجوار فلا حرمة للدم العراقي ولا حرمة للتراب الوطني عند هؤلاء  , فعندما نشاهد بعض القنوات الفضائية  وهو ترقص على اشلاء الضحايا وتتخذ من المأسآة قضية للتشهير بالحكومة وصب كيل من الاتهامات لها يتضح لنا حجم الكارثة التي تحل بهذا البلد  , وحينما نرى الاعلام العربي يتجاهل ما يتعرض له الشعب العراقي لا نعجب ممن يُموَلون من دول هذا الاعلام ,فهل السياسة العراقية تختلف عن مثيلاتها وأخواتها العربيات ؟سؤال لطاما حيرني وانا أُقارن بين مايجري في العراق وبين ما يجري في بعض الدول العربية كمصر ولبنان وغيرهما , فهؤلاء السياسيون  اللبنانيون يقفون صفا ً واحدا ً أمام الخطرالذي يواجههم من عدو خارجي ويتناسون أو يؤجلون خلافاتهم من أجل لبنان , لأن وطنهم في محنة ,أما نحن فالصورة معكوسة تماما ً عندنا , حينما نختلف نزيد في تهديم هذا البلد  ونبالغ في قهر شعبه , إن الذين قاموا بهذا الفعل الشنيع في بغداد الحبيبة يعلمون أن ليس هناك من المسؤولين من تضرر شخصيا ً جراء ذلك, ويعلمون ان هذه الاعمال لا تُسقط الدولة بل تزيد من محنة الشعب الممتحن أصلا ً  فالبلد الذي يحتاج الى عشرات السنين لبناء بُناه التحتية وإعادته الى حضيرة دول العالم بعد سنين من الحرمان والحصار والقهر والدكتاتورية وحروب عبر فيها الدم العراقي الى الفراغ ,هل يستحق من أبنائه هذا الجزاء ؟ لماذا عندما نختلف يقتل بعضنا بعضا؟ و لماذا لا نفهم ثقافة الإختلاف على أنها إثراء وتعدد ألوان؟ولماذا يتحول حب الوطن عندنا الى تملك الوطن, فالوطن للجميع والجميع للوطن ,هذه هي الحقيقة التي يجب ان نفهمها , وهذا هو الطريق الذي يجب ان نسلكه, يجب علينا أن نتخلص من ثقافة الانتقام والتهديم , فالصور التي سجلها لنا التاريخ من قتل وسحل وإنتقام وإلغاء كما حصل للعائلة الملكية ولنوري السعيد وللزعيم قاسم وغيرهم من الزعماء السياسيين  يجب ان تبقى جزءاً من الماضي وأن نبدأ من جديدعلى قاعدة نختلف ولكن نبقي باب الحوار مفتوحا ً , هذه دعوة لعلها تحمل الكثير من الفنتازيا ولكنها ممكنة التحقيق , من أجل أن نُبقِّي لأجيالنا القادمة ما يفخرون به بين الشعوب , وان لا نسوِّد التاريخ من أجل نزوة الحكم , فأنا لا أدعو الى مدينة ٌ فاضلة وأعلم أني أتطلَّب من الماء جذوة نار ولكني أدعو الى الصراع الايجابي المفضي للبناء والاثراء , فهذا التراكم السلبي للذاكرة   لا يصنع الحياة , فهناك قواعد للعبة السياسية من الكفر تجاوزها , قد يهمِّش ويقصِّي  بعضنا البعض,  ولكن لا مجال لقتل الوطن فالوطن هو المقدس الذي لا ينبغي التجاوز عليه مهما أختلفنا, وعلينا تغيير ميزات سياستنا القديمة  من إطلاق النار الى الحوار .

التعليق