عاجل:
مقالات 2010-07-29 03:00 1104 0

أعيــدوا لــي صوتــي

سأحدثكم عن رجل طاعن بالسن، هذه الرجل بذل جهدا كبيرا من أجل الديمقراطية، وأنفق من قوت عياله على الحملة

 
 

سأحدثكم عن رجل طاعن بالسن، هذه الرجل بذل جهدا كبيرا من أجل الديمقراطية، وأنفق من قوت عياله على الحملة الأنتخابية لقائمة سياسية يعتقد إنها مبرئة للذمة يوم الحساب، ورغم أنه لم يجد تعويضا من إدارة الحملة الإنتخابية لتلك القائمة على نفقات خيمة التحشيد التي ضربها في منطقة سكناه، ورغم سخرية بعض جيرانه الداعمين لمنافسي قائمته من عدم التعويض له، إلا أن ذلك كله لم يقلل من عزيمته ولم يؤثر على ولائه.
لقد كان ذلك الشيخ الوقور يقول بأن على الفقراء أن ينفقوا من جهدهم ووقتهم ومالهم من أجل نجاح (ربعهم) الذين سيشكل نجاحهم قطعا نصرا للفقراء، وهزيمة نكراء لرموز الظلم والطغيان والفساد الذين أهلكوا البلاد والعباد، خلال العقود الماضية. بل إنه فوق ذلك جعل من المنافسة بين رجال قائمة (ربعه) وبين المرشحين الآخرين منافسة بين الخير المطلق والشر المطلق. وجعلها وكأنها حربا بين المسلمين والكفار. ولقد كان يدعو في جوف الليلـ كغالبية الفقراء والبسطاء ـ ويسأل الله أن ينصر (ربعه) على خصومهم.
واليوم، وبعد مرور قرابة خمسة أشهر على إنتهاء الأنتخابات ، لم يعد له إلا أمنية واحدة، وهي أن يقابل رئيس قائمة (ربعه) ليطلب منه أن يعيد له " صوته" الذي منحه لهم أثناء الانتخابات النيابية الماضية. فلم يعد الرجل يؤمن بالتغيير اوالبناء، ولم يعد يبشر أبناء عشيرته وجيرانه بعراق جديد، ولم يعد يحلم بأن يتحسن مستوى معيشته. لقد تبخرت كل تلك الأحلام ولم يعد في ليله يرى إلا حلما واحدا وهو أن يتمكن من أن يستعيد "صوته" لا أكثر ولا أقل!
فما الذي حدث في الأشهر الخمسة الماضية وجعل ذلك الشيخ الوقور يشعر بإحباط مخيف بعد حماس مفرط؟ ذلك سؤال يستحق أن نبحث له عن إجابة محايدة.. إجابة لا تزيد من حجم الهموم لدوافع سياسية كما يفعل البعض. ولا تنقص في المقابل من تلك الهموم كما يفعل البعض الآخر لمصالح شخصية أو سياسية. إذ يمكن القول بأن الفقراء الذين يعود لهم الفضل المباشر في وصول الساسة الجدد الى مجلس النواب قد انقسموا ـ خلال الأشهر الخمسة المنصرمة ـ إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: وهي طائفة لا زالت تحلم بعراق جديد ولازالت تعتقد بأن التغيير البناء قادم لا محالة. وهي تستشهد بجملة من الانجازات التي تحققت خاصة في مجال الحريات، مثل أن بأمكان كائن من يكون أن يشتم كائنا من يكون آخر، حتى لو كان رئيسا لإحدى الرئاسات الثلاث، وتستشهد بتحسن القدرة الشرائية، وتستشهد أيضا باختفاء سيارات اللادا والبرازيلي وقدوم جيل جديد من سيارات الدفع الرباعي، وهذه الطائفة السياسية لا زالت تبذل جهودا جبارة لصالح العملية السياسية، وأقصد هنا الدلالة اللغوية لكلمة جبارة لا دلالتها في الإعلام الرسمي، رغم أنها لا تجد من يعينها على ذلك، فالخطاب الحكومي والخطاب الحزبي قد فشِلا فشَلاً غير مسبوق في "تسويق" ما تم انجازه.
الطائفة الثانية: وهي طائفة سياسية حائرة لم تستطع بعد خمسة أشهر أن تحسم خيارها النهائي، وهي تميل إلى الصمت حتى تنكشف الأمور، فهي لم تعد تملك من الحماس ما يكفي للدفاع عن التغيير البناء. كما أنها لم تفقد الأمل نهائيا في حصول التغيير المنشود. بل أن معظم من فيها يتحدث بلغة (آني شعليه) ..
الطائفة الثالثة: وهي التي أستدارت مئة وثمانين درجة رغم أنها كانت هي الطائفة الأكثر تحمسا للتغيير البنّاء أثناء الحملة الانتخابية الماضية، وأصبحت اليوم هي الأكثر قنوطا من حصول ذلك التغيير، كما هو الحال بالنسبة (لي) وللرجل الشيخ الذي لم يعد يطالب إلا باستعادة "صوته".
ومع أنه لا يمكن تحديد نسبة كل طائفة، إلا أنه رغم ذلك يمكن تقديم بعض الملاحظات التي يجب أخذها بعين الاعتبار، حتى لا تزداد نسب الطائفتين الثانية والثالثة، ومن هذه الملاحظات يمكن أن أذكر:
1ـ إن الفقراء والبسطاء هم الذين حسموا الانتخابات الماضية حيث صوت غالبيتهم لصالح (ربعهم)، بينما انقسمت الشرائح والفئات الأخرى، بشكل متساوي تقريبا بين (ربعهم) وبين منافسيهم . فلم يكن حظهم من الوجهاء أكثر من حظ غيرهم. ولم يكن نصيبهم من النخب السياسية والاقتصادية والثقافية بأكثر من نصيب خصومهم. ولم يكن من دعمهم من المفسدين أكثر ممن دعم خصومهم. لذلك فالفقراء يعتقدون بأنهم هم من حسم الانتخابات، وبأنهم هم من يستحق أن يهتم بهم، فالعدالة تقتضي ذلك، والوفاء السياسي والأخلاقي يقتضيان أيضا ذلك.
2 ـ إن أحاديث (ربع) صاحبنا الشيخ الوقورعن أوجاع الفقراء، وقدرتهم الفائقة على تشخيص المرض، وتحديد مكان الداء جلبت لهم الكثير من الأنصار قبل وأثناء الحملة الانتخابية. وتلك حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن هناك حقيقة أخرى لا يمكن كذلك إنكارها، وهي أن تلك الأحاديث لم تعد الآن تكفي للمحافظة على تلك الشعبية بعد أن صار الهدف السلطة، والسلطة فقط..
3ـ وعلى صعيد الخدمات: لقد جرت أحاديث رسمية بشكل صريح في مجلس الوزراء عن القمامة، وأعطيت أوامر صارمة بضرورة تنظيف العاصمة وباقي المدن. وقيل أن هناك أموالا كبيرة قد أنفقت، ورغم ذلك لا زالت كل مدننا مدينة مليئة بالأوساخ والقمامة. وجرى كلام عن المستشفيات والمراكز الصحية، وهناك أحاديث كثيرة عن مشاكل الصحة، ولكن تلك الأحاديث والزيارات لم تنعكس ـ حتى اليوم ـ على الخدمات الصحية التي تردت بشكل كبير.


ولقد زار كبار المسؤولين من (ربع) شيخنا الوقور مؤسسات الماء، ووزارة الكهرباء أكثر من مرة، وتحدثوا بشكل صريح عن سوء التسيير، ولكن المشكلة أن التسيير لم يتحسن، وأن خدمات الماء والكهرباء لم تتحسن حتى يومنا هذا،. و لقد فقدت الحرب على الفساد ورموزه الكثير من المصداقية. ولم تعد قادرة على المحافظة على الأنصار بعد أن تم تعيين الكثير من المفسدين في فترة قياسية. كما أن أغلب التعيينات الأخرى التي تمت لم تلتزم بمعيار الكفاءة والوطنية والاستقامة وهو ما جعلها في غير مصلحة الفقراء. ولقد قال الساسة و لأكثر من مرة، بأن موارد الدولة كافية لتوفير كل الحاجات الأساسية، ورغم ذلك فقد اتسعت الفجوة كثيرا بين الوعود وبين المنجزات، أي بين أحلام الفقراء وواقعهم المعيشي. فقد وصلت الأحلام إلى مستويات عالية بفعل وعود المسؤولين السخية، في حين أن الظروف المعيشية لم تتحسن بشكل ملموس وهو ما كان له الأثر البالغ في رفع مستوى الإحباط لدى الكثيرين من أنصار التغيير البناء.
ومع أنه لا يمكن أبدا أن تضيع حقوق الفقراء ، ولن تضيع حبة قمح ولا حبة أرز لأي مواطن. ولن يضيع قرص دواء ولا جرعة ماء ولا ساعة عدل. ولن يضيع أي حق لأي مواطن. فإما أن يحصل عليه الآن كاملا غير منقوص، وإما أن يحصل عليه بعد حين، حيث لا حرس ولا ألقاب، ولا أغلبية تطبل. وسيكون التسديد وقتها بالحسنات، وكم سيكون صعبا ومؤلما وفظيعا تسديد شربة ماء، لمواطن واحد في ذلك اليوم الذي ستدنو فيه الشمس من الرؤوس، وسيتصبب فيه العرق حتى يلجم خلقا كثيرا.
سيكون من الصعب تسديد شربة ماء لمواطن واحد، فكيف إذا تعلق الأمر بما يزيد على نصف الشعب العراقي من الفقراء، ربعهم من الذين يعيشون تحت خط الفقر حسب الإحصاءات الرسمية ؟؟؟ والذين سيطالب كل واحد منهم بكثير من وجبات الطعام و من جرعات الماء و من أقراص الدواء التي كان بالإمكان أن توفر له خلال فترة حكم الساسة الحاليين للبلاد إلا أنها لم توفر له.

 

التعليق

آخر الاخبار