بسم الله الرحمن الرحيم
ما لديه وليس بما سئل بأجود منه ما لم يُسأل , وصلى اللهُ على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين :
إنَّ القرآنَ الكريم نصٌ لا يمكن أنْ يخضع لنظامٍ معين, فكلما أردنا تطبيق آلياتٍ علميةٍ معينةٍ على عدد من سورهِ وآياته , سنُفاجأ بآيةٍ , أو ربما آيتين أنهما لا تخضعان إلى ذلك النّظام المُسبق , ودأب الدارسون على ذلك فلم يُكتب لهم النّجاح في تحقيق ذلك , وأظن ذلك وجهٌ من وجوهِ إعجاز القرآن ولو خضع القرآن الكريم لما أرادهُ الدارسون من تقييد لمفاهيمهِ لم يبقَ مُعجزًا بل صيّروه إلى نصٍ أدبي أو لغوي , أو بين هذين النّصين , فإلى هنا بقي عصيًّا على المفهوم , هو لغةٌ للمتلقي , ولكن لا يمكن أنْ تكون لغة المتلقي تفسيرًا دقيقًا له ؛ لذلك قال عنه جلّ وعلا ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ الألْبَاب ) ([1]) فإذا أخذنا التفاسير القرآنية عند الفريقين , نجدها لا حصر لها , وذلك قائمٌ على تعدد الفهم لدى المتلقي , أو المُفسّر , إذن بين هذه التفاسير يمكن أن يضيع المعنى , وكما قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (( إذا ازدحم الجواب خفي الصواب ))([2]) وكثرة الأجوبة عن معنى واحد تضيّع ذلك المعنى , وكيف له ( عليه السلام ) يقول : (( وكفى بالكتاب حجيجًا وخصيمًا ))([3]) إذن هناك فرقٌ بين قصد الإمام ( عليه السلام ) , وبين الآية المباركة التي ذكرت أنَّ تأويل القرآن محصورٌ بالراسخين في العلم بعد الله سبحانه , هذا من جهة , وبين فهمنا المشترك لآليات التّفسير والتأويل والتي ابتعدت خطوات عن المعنى القرآني الأول , وربما لا تزيد إلّا بعدًا كلما جاءت دراسة أخرى منقطعة من مركزية المعنى التي اختصوا بها أهل البيت ( عليهم السلام ) بداية من الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ؛
لذلك فإنَّ الحديث المتفق عليه بين الفريقين ( علي عِدل القرآن ) ([4]) يشير إلى معرفة أمير المؤمنين ( عليه السلم ) بكل تفاصيل القرآن , فالعِدل ( بكسر العين ) في اللغة هو الذي يعادلك في الوزن والقدر([5]) فإذا كان الإمامُ يَعدل القرآن , بمعنى متساويين في الكفتين , إذن ما من شيء يرد في القرآن إلّا وله تفسيرٌ قطعي ليس احتماليًا عنده ( عليه السلام ) فهو يعرف دلالة الكلمة كما جاءت من عند الله تبارك وتعالى, قبل أنْ تدخل في عالم الاستهلاك , أو الاجترار الدلالي , وتُؤخذ حسب حاجة المتلقين لها , لذلك عندما نزل قوله تعالى ( لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) ([6]) قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ((جعلها الله أذنك ياعلي ))([7]) من هذا المعنى فإنَّ الإمام ( عليه السلام ) لا يحتاج إلى وسيط معرفي للوقوف على الدلالة الأولى للقرآن فهو يعرف ذلك كما أراده الله سبحانه , وعندما رُفِعت المصاحف على أسنة الرماح في معركة صفين وقالوا ( لا حكم إلّا لله ) قال عليه السلام : (( القرآن إنما هو خطٌ مسطور بين الدفتين لا ينطق وإنما يتكلم به الرجال ))([8]) والرجال هم الذين ذكرهم القرآن الكريم ( رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) ([9]) وفي النصّين المباركين هي إشارة لأهلِ البيت ( عليهم السلام ) إذن فإنَّ عِدل القرآن هم يسيرون بصورة متوازية مع القرآن , ولا يمكن أنْ يتقدم القرآن وهم يتأخروا , وهذا الفهم الدقيق للقرآن الكريم يحيلنا بجزءٍ منه إلى عصمةِ أهل البيت ( عليهم السلام ) ؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى يقول عن القرآن نفسهِ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ([10]) فعِدل القرآن الذي يمشي بموازاته لا يمكن أنْ يختلف , أو يتناقض مرة في نصين مختلفين ؛ لأنَّ ذلك سيغيّر من المعنى القرآني , ولو كان الإمام ( عليه السلام ) يتطور وينشأ مع المعرفة ؛ لاستبدل شيئًا من قناعاته وأفكاره , وانعكس ذلك على القرآن الكريم , ثم خُفي المعنى من خلال لسانهِ الناطق علي ( عليه السلام ) , وعدم الزيادة والتطور في كسبِ المعرفةِ من لدنه ( عليه السلام ) هو دليلٌ على عصمتهِ من جانب آخر وضمني؛ لذلك فإنَّ القرآن وحده لم يكن نصًا تشريعيًا كافيًا مالم يسر إلى جنبه عدلُهُ وهم أهلُ البيت ( عليهم السلام )
, ولو أخذ النص بداية منهم ( عليهم السلام ) قبل أن تُضيّع الدلالة عند حاجات الخلفاء يومئذ , لم تصل الأمة إلى هذا الخصام , والحجاج القائم على أصول يُعتقد أنها قرآنية , فإنَّ الله تبارك وتعالى لم يُحاسب على القرآن بوصفهِ حجة ؛ مالم يُحاسب على الحجة الملازمة له وهم أهلُ البيت ( عليهم السلام ) لأنّه سبحانه كيف سيحاسب عباده على نصٍ هم يرون فيه معانٍ متعددة لكلمة واحدة , وكل حسب مرجعياته , وذلك الحساب سيكون قائمًا على ابتعادهم عن عدِلهِ أمير المؤمنين, وأهل بيته ( عليهم السلام )
عصمتهِ من جانب آخر وضمني؛ لذلك فإنَّ القرآن وحده لم يكن نصًا تشريعيًا كافيًا مالم يسر إلى جنبه عدلُهُ وهم أهلُ البيت ( عليهم السلام ) , ولو أخذ النص بداية منهم ( عليهم السلام ) قبل أن تُضيّع الدلالة عند حاجات الخلفاء يومئذ , لم تصل الأمة إلى هذا الخصام , والحجاج القائم على أصول يُعتقد أنها قرآنية , فإنَّ الله تبارك وتعالى لم يُحاسب على القرآن بوصفهِ حجة ؛ مالم يُحاسب على الحجة الملازمة له وهم أهلُ البيت ( عليهم السلام ) لأنّه سبحانه كيف سيحاسب عباده على نصٍ هم يرون فيه معانٍ متعددة لكلمة واحدة , وكل حسب مرجعياته , وذلك الحساب سيكون قائمًا على ابتعادهم عن عدِلهِ أمير المؤمنين, وأهل بيته ( عليهم السلام ) .